من كان بيته من قش، فلا يقذفن الناس، ولو بالشهب النارية، إذ الحريق، وحده، حصاد أي رد من الناس بالمثل.
هذا مثال شعبي تم تحويره ليكون أقرب إلى الفهم من المثال الأصلي، لأن “بيت” جبهة البوليساريو الإنفصالية، ليس بيتا حقيقيا؟ كي يكون من زجاج أو غيره من مواد البناء الأخرى العادية. إنما هو كوخ بئيس من هشيم سريع الإحتراق. وحقوق الإنسان، التي طالما استخدمتها، الجبهة الإنفصالية، بهتانا وزورا لمهاجمة المغرب في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، لم تعد الأداة الحصرية بيدها وبالنسبة للقوى الإقليمية التي تحركها من بعيد أو من قريب، للإساءة إلى المغرب، وتقديمه، كما لو أنه تحول إلى جلاد حقوق الإنسان في مختلف أقاليمه، وخاصةً منها أقاليم الصحراء المغربية.
فلم تكن قيادة البوليساريو تترك مناسبة انعقاد مؤتمر إقليمي أو دولي حول حقوق الإنسان، دون أن تحضر له نصيبه من حفلة العويل والتباكي، داخل وخارج المؤتمر المعني، لاستدرار عطف المؤتمرين، والعمل على التعتيم على مسألة حقوق الإنسان، والمأساة الحقيقية التي يعيشها المحتجزون الصحراويون المغاربة في مخيمات تندوف، والتي هي، في الواقع، معسكرات، بكل المواصفات، للاعتقال والتعذيب الجماعي أمام مرأى ومسمع القيادة الجزائرية وبتوجيه وإشراف منها.
وقد كانت حفلات العويل والصراخ تلك، العنصر الأهم، على هذا المستوى، من سياسة هجومية اعتقدت الجبهة الإنفصالية ورعاتها في قيادة النظام الجزائري، أنها أفضل وسيلة للدفاع، لأنها قادرة على تجنيب تسليط الأضواء على ما يجري من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المخيمات ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. وينبغي الإعتراف هنا أنها سياسة ضايقت المغرب أحيانا، وقلصت من قدرة مساعيه لفت الأنظار إلى ذلك الواقع المزري. غير أن حبل الكذب والمناورات قصير جدا. إذ ما فتئت هذه الحقيقة تبرز إلى العيان شيئا فشيئا مع كل تقدم يحرزه المغرب في تدبير شؤون حقوق الإنسان وتمكين نفسه من مؤسسات وطنية وجهوية متخصصة بتتبع كل ما يجري على هذا الصعيد من خروقات هنا، أو تجاوزات هناك، وذلك تنفيذا لتوجيهات الملك محمد السادس التي كانت صارمة وشاملة، ليس للإنسان المغربي في مختلف الأقاليم والجهات فحسب، بل وللإنسان الأفريقي أيضا، حيث تم سن سياسة إنسانية شاملة استفاد منها آلاف الأجانب وخاصة منهم الأفارقة الذين يقيمون ببلادنا بطرق شرعية أو غير قانونية في بعض الأحيان.
لقد أعطت هذه السياسة المنهجية الشاملة للاهتمام بحقوق الإنسان في البلاد الدليل غير القابل للدحض على ان ما تروج له الدعاية الجزائرية – الإنفصالية في هذا المجال، ليس غير بروباغندا سوداء، تروم خلط الأوراق، وإبعاد الأنظار عن مرتكبي الجرائم في حق المواطنين المغاربة المحتجزين في تندوف منذ أكثر من أربعين سنة.
وقد جاء تدخل الجمعيات الصحراوية لحقوق الإنسان في الميدان، ليرفع كل أوراق التوت التي كانت الدعاية الجزائرية – الإنفصالية تحاول التغطية بها على الواقع المزري الذي تعيشه المخيمات في المجال الحقوقي والاجتماعي والسياسي على حد سواء.
ولعل الوقفة الإحتجاجية التي تم تنظيمها في ساحة الأمم المتحدة في جنيف على هامش الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ليست إلا النسخة الأخيرة من هذه التحركات التي لا يبدو أنها قد انطلقت لتتوقف، قبل أن تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته كافة، في حماية الإنسان المغربي الصحراوي المحتجز في معسكرات التنكيل والتدمير النفسي والمادي. إذ ما معنى تجنيد الأطفال دون العاشرة من العمر، أحيانا، ولا يتجاوزن الأربعة عشر ربيعا في أكثرها، للقيام بتدريبات عسكرية، وعلى استعمال القنابل وغيرها من المتفجرات، إن لم يكن اغتصابا لطفولة بريئة وزجا بها في مهالك الموت والإعاقة الدائمة؟ وكان هذا هو مآل الكثيرين منهم كما تم توثيق ذلك من قبل الجمعيات والمنظمات المغربية الصحراوية التي تنشط في داخل مخيمات تندوف في ظروف السرية القاسية، وفِي مختلف البلدان الأوروبية.
بل والأنكى، من كل ذلك، اختطاف أبناء المحتجزين وتسليمهم إلى دول أجنبية مؤيدة لميليشيات البوليساريو وبإيعاز من القيادة السياسية الجزائرية، تحت مزاعم التكوين العسكري حيث يتعرضون لمختلف أشكال غسل الدماغ وتأهيلهم ليلتحقوا بمليشيات البوليساريو أو حتى بعصابات الجريمة المنظمة المتاجرة بالمخدرات وبالبشر على حد سواء، والمساهمة في تزويد منظمات الإرهاب العابر للحدود بالمقاتلين، كما لم يعد خافيا على أحد.
إن من تابعوا الوقفة الإحتجاجية السبت الماضي في جنيف، من المراقبين الدوليين، قد أدركوا، لا محالة، أن سلاح حقوق الإنسان الذي حاولت جبهة الانفصال والقيادة الجزائرية التسويق له، في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، للنيل من المغرب ومحاولة البحث عن مؤيدين لأطروحات الإنفصال، تحت هذه اليافطة، لم يصب بالصدأ فحسب، وإنما تحول، بشكل واضح، إلى نحرها بحيث يمكن القول: إن السحر قد انقلب على الساحر، بما يعنيه ذلك من مضاعفات سلبية على سياسات البوليساريو وأولياء نعمتها في هذا المجال. وبالتالي، فإن خسارة هذه الورقة قد انضاف إلى سلسلة متواصلة من الخسارات لمختلف الأوراق التي لعبتها وخاصة في السنتين الأخيرتين في مختلف المحافل الإقليمية والدولية.
ومن شأن استمرار المغرب الرسمي والشعبي على نهج سياسة هجومية جريئة داخل المعاقل التي ينشط داخلها خصوم وحدتنا الترابية مواصلة تضييق الخناق على سياساتهم التضليلية، وإحكام عزلتهم في بعض الهوامش غير ذات التأثير في صنع القرارات على المستويين الإقليمي والدولي. وهذا هو المقتل الحقيقي للأطروحة الإنفصالية.