لا يبدو الاقتصاد الروسي في أفضل حالاته حسب ما تؤكده المؤشرات، والتي ينقسم مع ذلك المراقبون بخصوص قراءتها بطريقة متفائلة أو النظر إليها بتشاؤم.
نائب رئيس البنك المركزي الروسي سابقا، سيرغي أليكساشينكو، تطرق للموضوع من خلال مقال بهذا الخصوص بموقع جريدة “موسكو تايمز”، حيث أشار إلى أن المتشائمين يستشهدون باستمرار انخفاض الناتج الداخلي الإجمالي وتراجع الطلب الداخلي وتراجع الاقتصاد، في حين يرى المتفائلين أن سرعة تهاوي الاقتصاد تراجعت على أمل أن يتوقف التراجع خلال هذا النصف الثاني من السنة، ويبدأ الاقتصاد الروسي بالتعافي.
المتفائلون يستشهدون أيضا بتراجع معدلات التضخم وانتقالها من 17% إلى ما دون صفر بالمئة، فيرد عليهم المتشائمون بأن مخاطر التضخم ما تزال قائمة، ويضيفون أن الاستثمار يواصل تراجعه في الصناعة والسكن، بالإضافة إلى تراجع الاستهلاك…
وبغض النظر عن هذا النقاش، يرى أليكساشينكو أن الخلاصة التي يمكن الخروج بها وهي أن الاقتصاد الروسي في انكماش مستمر، في حين تعرف فيها اقتصادات البلدان الأخرى في العالم نموا.
المسؤول الروسي السابق والباحث الحالي في معهد “بروكينغز” اعتبر أنه لا يمكن ربط هذا الانكماش بعوامل خارجية لأن أسعار البترول هي في تدهور منذ سنتين، وبالتالي فإن اقتصاد روسيا تأقلم مع هذا الوضع، حيث زاد حجم الإنتاج الروسي من النفط واستعاد الاستيراد عافيته.
لكن المشكل بقي في كون ميزانية الدول لم تتأقلم مع مستوى أسعار البترول، يضيف الباحث، حيث زادت النفقات على الرواتب والمعاشات كما زاد الإنفاق العسكري بنسبة 25%.
ولأجل الحفاظ على العجز في المستوى الحالي، يقول سيرغي أليكساشينكو، عمدت الحكومة إلى تجميد الرواتب والمعاشات والتقليص من الإنفاق والاستثمار، لكن عدم قدرتها على الحصول على تمويلات من الأسواق الخارجية ورفضها فتح المجال أمام الخوصصة، يجعلها رهينة حسب الكاتب للصندوق الاحتياطي التي يمكن أن تنفد في النصف الأول من العام المقبل.
توفر روسيا على صندوق احتياطي ثان يسمح لها بتمويل العجز لسنة أو سنة ونصف لا يعني نهاية المشكل، حيث يتوجب الإبقاء على الإنفاق في مستوى مستقر، ليضيف الكاتب أنه ما من برنامج إصلاحي مطبق له القدرة على تحريك عجلة النمو الاقتصادي بنسبة 4 أو 5 بالمئة السنة المقبلة، ما يعني أن الميزانية الفدرالية ستفتقر إلى التمويلات خلال السنتين ونصف أو ثلاث سنوات المقبلة.
هذه المشاكل تصطدم بكون المؤشرات تفيد بأنه لن يتم إطلاق أي إصلاحات اقتصادية من قبل الرئيس بوتين قبل مارس 2018، أي حتى إعادة انتخابه رئيسا للبلاد.
روسيا اليوم تواجه، حسب ألكسانشينكو عائقين أساسيين أمام التنمية الاقتصادية. العائق الأول هو عدم وجود مناخ يساعد على نمو الأعمال، والثاني هو العقوبات الغربية التي تعزل الاقتصاد الروسي عن الشركات العالمية وتحد من تنافسيته.
وبالرغم من أن المشكلين معا ليسا مظهرين من مظاهر السياسة الاقتصادية، إلا أن عدم حلهما لا يمكن أن يجعل أي سياسة اقتصادية تؤتي نتائجها المرجوة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس فلاديمير بوتين يبدو أنه مستعد بعد لتقديم تنازلات والقيام بإصلاحات اقتصادية قد تؤثر على مواقفه داخليا وخارجيا.