على بعد أقل من شهرين من الانتخابات التشريعية ، تبدو الأحزاب المغربية منهمكة في الحرب على أكثر من جبهة: اختيار المرشحين، صياغة اللوائح، إعداد البرامج الانتخابية، هندسة حملات الدعاية، …الخ. وفي هذه الأجواء تتراجع ظاهريا مهمة صياغة التحالفات الانتخابية التي تسبق الانتخابات، والتي تسهم في إعطاء صورة لوسائل الإعلام وللرأي العام الوطني عن هوية الأطراف والمعسكرات التي تحاول كسب صوته وتأييده.
الواقع يقول أن هذه الأحزاب لا تهتم عادة بصياغة التحالفات القبلية، بمقدار ما تهتم بها في الفترة التي تعقب الانتخابات. ويساهم في صياغة هذا الأمر الثقافة الحزبية السائدة، وغياب معسكرات واضحة المعالم مبنية على أسس التصنيفات التقليدية (يمين- يسار)، ناهيك عن نمط الانتخابات بالقائمة النسبية من دور واحد، الذي لا تحتاج معه الأحزاب للاهتمام بدور ثاني يحشد فيه المرشحان أصوات الأحزاب الخاسرة الموالية.
ومع ذلك، تبدو الصورة واضحة بخصوص بعض “الحقائق” التي تقول أولا بأن الحكومة المقبلة ستكون ائتلافية، مع استحالة فوز أي من الأحزاب المشاركة بنسبة تزيد على نصف عدد مقاعد البرلمان، وثانيا بأنه ما لم تحدث مفاجأة غير متوقعة، فإن هناك قطبين أساسيين يتنافسان على الفوز بالانتخابات، ونقصد حزب “العدالة والتنمية”، وخصمه حزب “الأصالة والمعاصرة”. هذا الكلام لا يقلل نهائيا من حجم ومكانة الحزبين اللذان يلياهما ونقصد “الاستقلال” و”التجمع الوطني للأحرار”، لكن المنطق المبني على أدائهما في الانتخابات الجماعية الأخيرة يقول بأنهما سيتنافسان على المركزين الثالث والرابع.
بالعودة للتحالفات، وباستثناء الموقف المعلن لحزب “التقدم والاشتراكية”، الذي حسم خياره بالاصطفاف وراء العدالة والتنمية، منحازا للمنطق “السياسي” على حساب الموقف “الأيديولوجي”، فإن باقي الأحزاب لا تزال دون موقف معلن من التحالف مع أي من القطبين الكبيرين، وإن تواترت الأنباء الصحفية عن اقتراب “الاستقلال” من العدالة والتنمية، مقابل خيار التجمع الوطني للأحرار “الطبيعي” بالوقوف إلى جانب “الأصالة والمعاصرة”.
وتسود الضبابية كذلك موقف حزبي “الاتحاد الدستوري” و “الحركة الشعبية” اللذان سيدخلان الانتخابات على الأغلب دون الإعلان عن موقف حاسم من أحد القطبين المرشحين لتشكيل الحكومة المقبلة. أما آخر الأحزاب الثمانية الكبيرة، ونقصد به “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” فما يرشح منه من إشارات متضاربة، توحي بوجود صراع كبير بين تيارين أساسيين يراوحان بين المنطق السياسي والموقف الإيديولوجي. ويهم ذلك أساسا تحديد الموقف من العدالة والتنمية، الذي أبدى رغبته في التحالف مع مكونات “الكتلة الديمقراطية” ونجح في بناء جسور مع قطبين فيها، في انتظار موقف القطب الثالث (الاشتراكي).
فهل يدخل الاتحاد الاشتراكي الانتخابات دون تفاهم مع أحد القطبين المتصارعين على رئاسة الحكومة، مما يضعف موقفه التفاوضي بعد الانتخابات، أم تفرض “حساسية” أمينه العام “ادريس لشكر” وفريقه داخل المكتب السياسي من “إسلاميي العدالة والتنمية” نفسها ويعلن انضواءه تحت لواء الأصالة والمعاصرة بطريقة لا لبس فيها، أم ينتصر الفريق المطالب بتغليب المنطق السياسي والبقاء داخل بيت الكتلة الديمقراطية؟؟!!. يبدو أنهم ينتظرون اقتراب موعد الانتخابات أكثر، والناخبون بدورهم، لاسيما جمهورهم التقليدي، معهم من المنتظرين.