حارت الأذهان في تحليل المعطيات السياسية المرتبطة بأصداء جمود مسلسل تكوين الحكومة الجديدة التي طال انتظارها اكثر من اللازم لدرجة تبعث على الضجر، وسط المواطنين الذين سئموا هذا المسلسل الطويل من المفاوضات.
وتأسيسا على ذلك، يبدو المشهد السياسي حاليا كأنه خارج الزمن، نظرا للبطء الذي يسود حلقاته، وكأنما هناك قوة قاهرة تمنع الفاعلين السياسيين من أن تكون لهم إرادة سياسية قوية في حسم المواقف تجاه المشاركة في الحكومة، أو التموقع في المعارضة.
ومن الظواهر المثيرة للاستغراب والاندهاش، أن بعض الأحزاب التي ألفت أن تشارك، تقريبا، في كل الحكومات، في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، مثل الحركة الشعبية، وغيرها،باتت اليوم، تتردد في التجاوب مع الطلبات الموجهة إليها لتكوين الأغلبية، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الدوافع الكامنة وراء هذا التصرف.
ولاشك أن الجميع يدرك أن مكان حزب الحركة الشعبية بالذات، مثله مثل التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري، هو الإسهام في تدبير الشأن العام، وذلك بالنظر إلى التجارب الحكومية السابقة، التي ارتبطا بها أكثر من ارتباطها بنهج المعارضة.
والأمثلة على ذلك كثيرة، إذا تم النبش في الذاكرة السياسية، لقراءة صفحات من التاريخ السياسي للبلاد، حيث يتضح أن التجمع الوطني للأحرار، مثلا، وفور ميلاده في أواخر السبعينيات من القرن الماضي،باشر الانخراط في الحكم، اعتمادا على الأغلبية التي منحت له في البرلمان.
وحين اقتضت الظروف أن يخرج التجمع الوطني للأحرار، الذي كان يروج في بدايته لأطروحة”الديمقراطية المجتمعية”، إلى صفوف المعارضة كان أداؤه باهتا، ومروره عابرا،ولم يترك اي صدى يذكر، لدرجة أن لاأحد اليوم يمكن أن يخطر على باله، أن هذا الحزب حمل ذات يوم لواء المعارضة.
نفس الأمر تقريبا، ينطبق علىالحزب الذي جاء بعد التجمع في فترة لاحقة، ممتطيا ظهر الحصان، هو الاتحاد الدستوري، لكن مع الاختلاف في بعض الجزئيات والتفاصيل، ومنها أن هذا الأخير ، وبعد أن مارس الحكم لفترة من الوقت، عمر طويلا في السنين الأخيرة في المعارضة، وإن كانت ممارسته لها، هو الآخر، بدون لون ولا طعم ولا تأثير تحت قبة البرلمان.
للمزيد من التفاصيل:صحف الصباح: بنكيران مهتم بمعرفة تفاصيل وخلفيات التحالف بين الأحرار والاتحاد الدستوري
فكيف أصبح هذان الحزبان،بين عشية وضحاها، رقمين صعبين في المعادلة السياسية، غداة الكشف عن نتائج تشريعيات 7 أكتوبر، بإعلانهما عن تحالف بين فريقيهما في البرلمان؟ هل يعود السبب لظهور رجل في وزن وقامة عزيز أخنوش، الذي بات عبد الإله بنكيران، يحسب له اليوم ألف حساب؟
هناك أكثر من سؤال يفرض نفسه في هذا السياق، ولكنه يظل معلقا، تحيط به التباسات غامضة، وكل المتتبعين يبحثون عن أجوبة تشفي الغليل، خاصة وأن هذا الجمود الذي يعرقل بناء الأغلبية الحكومية، يفوت على المغرب فرصا كثيرة ربما يصعب تداركها، للحاق بركب الإصلاح المرتبط بدعم الاختيار الديمقراطي الذي تكرس يوم سابع أكتوبر.