غياب الرئيس الجزائري عن القمة العربية الطارئة اعتراف بغياب التأثير الجزائري على الصعيد العربي!

بقلم: هيثم شلبي

التأم شمل القمة العربية الطارئة حول غزة، والتي احتضننها القاهرة من أجل محاولة الخروج بخطة بديلة لما سمي “خطة ترامب من أجل التهجير”. وعلى غرار سابقاتها من قمم عربية، لم تمثل جميع الدول العربية عبر رؤسائها، حيث يغيب دائما بعض الرؤساء لأسباب مختلفة، وينيبون عنهم من يمثل بلادهم من أولياء عهود ورؤساء وزراء ووزراء خارجية، وحتى ممثلين دائمين في جامعة الدول العربية.

غيابات، على الرغم من بديهيتها، إلا أن الإعلام العربي درج على منحها الأولوية في تغطيته الخبرية، بطريقة تطغى على مواضيع القمة نفسها؛ أو ربما بسبب خلو القمم العربية من أي قرارات مؤثرة أو مفصلية! وعلى الرغم من غياب العاهل المغربي الملك محمد السادس، وإعلان غياب ولي العهد السعودي وإرسال وزير خارجيته ليرأس وفد بلاده في القمة؛ ناهيك عن ترؤس ولي عهد الكويت وفد بلاده للقمة، وإعلان دول أخرى غيابها عن القمة دون إبداء أسباب، حرص النظام الجزائري على محاولة افتعال “ضجة” تجعل من غياب الرئيس تبون عن القمة “حدثا” يجب أن يتناوله الإعلام العربي -وحبذا العالمي- بالمتابعة والتحليل.

لكن أولى ردود الأفعال “الباردة”، وبمعنى أدق “اللامبالية” جاءت من مصر المحتضنة للقمة، وتحديدا على لسان مسؤول في وزارة خارجيتها، حيث اعتبر أن مشاركة الدول العربية بأي مستوى تحدده، يعتبر مشاركة على قدم المساواة مع بقية الدول العربية؛ وأن مواقف مختلف الدول العربية يتم التعبير عنها من خلال رؤساء وفودها، أيا كان مستواهم؛ وأنها تملك الموافقة أو التحفظ على ما تشاء من بنود البيان الختامي، مفندا في الختام الحجج التي ساقها البلاغ الصحفي الجزائري الرسمي الذي أعلن عن غياب الرئيس تبون، في تكرار لغيابه عن القمة العربية التي احتضنتها الرياض العام الماضي (دون أن يشعر أحد بأثر هذا الغياب)! لكن على ماذا تتحفظ الجزائر؟ وهل هذه هي المبررات الحقيقية لتغيب الرئيس تبون؟ وما هو الأثر لهذا الغياب؟ ثلاثة أسئلة سنحاول الإجابة عليها باختصار، حتى لا نعطي لهذا “اللاحدث” قيمة لا يستحقها!

وفقا للبلاغ الصحفي الجزائري، فقد جاء غياب الرئيس تبون احتجاجا على “اختلالات ونقائص شابت المسار التحضيري للقمة”، ومنها “احتكار مجموعة محدودة من الدول العربية إعداد مخرجات القمة دون تنسيق مع بقية الدول العربية المعنية كلها بالقضية الفلسطينية”. مبررات لا تحتاج إلى جهد كبير في تفنيدها على ما في توصيفاتها من بعض الصحة! فمن حق “دول الطوق” المحيطة بفلسطين، وتلك التي يعول على دورها في مرحلة إعادة الإعمار (الدول الخليجية) أن تبادر إلى عقد لقاءات تشاورية، فما الضير في ذلك؟! ولماذا لم تحتج لبنان والعراق وسوريا على عدم توجيه الدعوة لها، وهي الأقرب لفلسطين، والأكثر تأثرا بما يحدث فيها؟ وما الذي يمنع الرئيس تبون من استضافة لقاءات تشاورية مماثلة، يمكن أن يحضرها بالتأكيد الرئيسان الفلسطيني والتونسي، على أمل أن يوافق غيرهما على الحضور!! ثم أن القمة التشاورية، والتفاهمات التي تمت خلالها لا تعني سوى أصحابها، أما باقي الدول العربية فهي معنية بالنقاشات التي ستتم خلال القمة العربية، وما عبر عنه ممثلو الدول التي حضرت اللقاء التشاوري، وللجزائر -كما لغيرها- الحق في قبول أو رفض ما تشاء من مواقف وقرارات، فلماذا الانفراد بإحداث هذه الجلبة إذا؟!

ثاني الأسئلة، والمتعلق بالمبررات الحقيقية التي لم يقلها البلاغ الجزائري، لا يبعدنا عن إجابة واحدة، سبق وأكدتها الأحداث العربية والدولية التي كانت بلاد الجنرالات طرفا فيها: إن الجزائر، لا تملك أي تأثير يذكر على مسار الأحداث الإقليمية والأفريقية والعربية والإسلامية والدولية، مهما حاول إعلام نظامها أن ينفخ في صورة “الجزائر الجديدة”، “القوة الضاربة” عربيا وإفريقيا ودوليا! غياب الدور والتأثير هو الذي جعل عضوية تجمع البريكس تذهب إلى مصر وأثيوبيا على صعيد القارة الأفريقية، متخطية الجزائر التي كان رئيسها يؤكد أن بلاده ستكون من ضمن الأعضاء، وذهبت عربيا إلى الإمارات والسعودية، ولم تقترب من أعتاب قصر المرادية، فهل في ذلك أدنى مفاجأة؟! فلماذا يحتج الرئيس تبون ونظامه على عدم توجيه دعوة لهم عند نقاش قضايا تتعلق بالقضية الفلسطينية، وقبلها عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وغيرها من اللقاءات؟!

ببساطة، لأن عدم توجيه مثل هذه الدعوات ينسجم مع الحقيقة القائلة بغياب الوزن والهيبة والتأثير الذي سببه وجود الجنرالات على رأس النظام الجزائري، حتى مع وجود واجهة مدنية ممثلة في الرئيس تبون.

يتفرع عن هذه الحقيقة سؤال فرعي: ما الذي كان سيضيفه وجود الرئيس تبون في اللقاء التشاوري في العاصمة السعودية، ردا على خطة ترامب وتحضيرا للقمة غير العادية؟! الإجابة البسيطة: لا شيء تماما!! فالرئيس تبون لا يجرؤ حتى على مجرد النطق باسم رئيس الولايات المتحدة، أو أن ينبس بكلمة يمكن لها أن تثير حفيظته، وما تصريح الرئيس تبون عن استعداده لإقامة علاقات مع إسرائيل بمجرد إقامة دولة فلسطينية ببعيد عنا.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالجزائر كانت واضحة حول مفهومها لإعادة الإعمار، وتصورها لمساهمتها فيه، عندما قال الرئيس تبون نفسه “افتحوا لنا الحدود وانظروا كيف نبني ثلاثة مستشفيات ميدانية في عشرين يوما!!!”، فهل بمثل هذا الاستعداد، وقبله هذا الخوف من ترامب، يستحق تبون دعوة لنقاش الرد على ترامب وعملية إعادة إعمار غزة؟!!

ثالث الأسئلة، بالضرورة سيجد جوابا مرتبطا بما سبقه. فغياب الرئيس تبون أو حضوره للقمة التي تستمر خمس ساعات يتخللها إفطار رمضاني (يعني أقل من ثلاث ساعات فعليا) هو سيان!! فالجزائر ليست طرفا في موضوعي القمة (الرد على خطة تهجير ترامب، وجهود إعمار قطاع غزة)، كما أن تسويق نفسها كراعي للمصالحة الوطنية الفلسطينية لا يعني شيئا ولم يقد إلى أي مكان (مثله مثل عشرات اتفاقات المصالحة في مختلف العواصم العربية والدولية، للإنصاف). أما “وهم” الدفاع الجزائري عن القضية الفلسطينية في مجلس الأمن، فهي بضاعة لا تجد من يشتريها حتى من الفلسطينيين أنفسهم، ويعلم العرب قاصيهم ودانيهم أنها عاجزة عن فعل أي شيء!! وهكذا، فكيف نتصور أن بلدا عديم التأثير كالجزائر (أو تونس بالتبعية) يمكن أن يترك غيابها أثرا (سلبا او إيجابا) على الاجتماعات العربية التي تحضرها أو تتغيب عنها؟!!

ختاما، فكما “طاش” سهم تصريحات تبون المرحبة بالتطبيع، طاش سهم مقاطعته للقمة العربية الطارئة، حيث يكتفي وزيره “الفاشل” في الخارجية أحمد عطاف كما العادة، بسرد مواقف وعبارات تنفخ فيها وسائل إعلام النظام، دون أن تجد لها أثرا في وسائل الإعلام العربية والدولية.

غياب التأثير والدور والوزن والهيبة للدولة الجزائرية عربيا وأفريقيا وإسلاميا ودوليا سيبقى راسخا ما دام “نظام العصابة” الفاقد للمشروعية -على حد تعبير الحراك الشعبي- يختطف الجزائر منذ استقلالها “الصوري” عن فرنسا، ولن تحتل بلاد الشهداء المكانة التي تليق بها حتى يمتلكها مواطنوها، وتصبح السلطة الحاكمة تعبيرا عن طموحات وهموم ومواقف مختلف الجزائريين.

اقرأ أيضا

قطاع التعليم بالجزائر على صفيح ساخن.. قرارات قمعية للي أذرع الأساتذة

يعيش قطاع التعليم بالجزائر على صفيح ساخن، حيث عمدت الوزارة الوصية إلى لي ذراع الأساتذة بقرارات قاسية بسبب إجراء يتعلق بنقاط الفصل الثاني من السنة الدراسية 2025/2024.

زلزال قوي يضرب عدة ولايات جزائرية

اهتزت عدة ولايات جزائرية اليوم الثلاثاء، على وقع زلزال قوي.

هل يملك النظام الجزائري فرصة لمواجهة “المد” الاقتصادي المغربي في أفريقيا؟!

بقلم: هيثم شلبي عجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بموجة من السخرية على فيديو …