هل يلفظ النظام الجزائري أنفاسه الأخيرة تحت ركام أزماته المتلاحقة ؟!

بقلم: هيثم شلبي

يعيش النظام الجزائري هذه الأيام، فترة من أصعب الفترات التي مرت عليه منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، حيث تتوالى الأزمات من كل حدب وصوب، وما أن يضع أزمة ما جانبا، حتى يبدأ في مكابدة تبعات أزمة أخرى. وساهم في تفاقم هذا الواقع جملة من الأسباب الذاتية التي تعود لبنية النظام نفسه، وما تراكم فيه من اختلالات على مدى العقود الماضية، والموضوعية التي تتعلق بأطراف دولية وإقليمية، لم ينجح النظام حتى اليوم في ضبط علاقته بها، على مدى تاريخه كله.

وهكذا، فمجرد إلقاء نظرة على أبرز الأزمات التي عاشها النظام المتحكم في “الجزائر الجديدة” تحت قيادة الثنائي شنقريحة- تبون، وتحديدا بعد إنهاء الحراك الشعبي والخروج من نفق كورونا، ستطالعنا لائحة طويلة من الأزمات المتلاحقة، تستعصي حقيقة على الحصر، دون تسجيل إنجاز حقيقي يذكر.

فعلى الصعيد الإقليمي يمكن التطرق لأزمة قطع العلاقات مع المغرب، وإقفال مجال الجزائر الجوي أمام الطيران المغربي؛ أزمة سوء العلاقة مع الجنرال الليبي خليفة حفتر الذي يسيطر على حدود بلاده مع الجزائر؛ العجز عن ضم موريتانيا إلى الفلك الجزائري بالانضمام إلى الاتحاد المغاربي المشوه بين تبون وقيس سعيد، ورفضها (أي موريتانيا) التضحية بعلاقاتها مع المغرب، لاسيما بعد محاولة اغتيال الرئيس ولد الغزواني في الجزائر؛ ولتأتي مؤخرا أزمة النظام مع مالي والنيجر وبوركينافاسو، على إثر إسقاط الجيش الجزائري مسيرة مالية داخل حدود هذه الأخيرة. أما لو وسعنا الدائرة أكثر، فسنجد أزمة لا تهدأ مع دولة الإمارات العربية المتحدة، ومثلها مع باقي دول الخليج التي لم تنجح الجزائر في تسويق منطقها المعادي للوحدة الترابية المغربية مع أي منها؛ وأخيرا أزمة دعم نظام المخلوع بشار الأسد، والتي فضحها اعتقال القوات السورية لعشرات الجنود والضباط الجزائريين ومرتزقة البوليساريو الذين كانوا يحاربون الثوار في صفوف الأسد.

أما علاقات النظام الدولية، فهي سلسلة من الأزمات التي لا تنتهي مع كل من روسيا وفرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة وتركيا وغيرها، لسببين لا ثالث لهما: تضارب الأوامر التي يتلقاها جنرالات هذا النظام الوظيفي من كل من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، وعدم قدرة النظام الجزائري على هضم تحول مواقف هذه الدول لصالح دعم مغربية الصحراء. ولعل العنوان الأبرز لفشل النظام المدوي على الساحة الدولية، هو هزيمته الماحقة في كسب الرهان الذي جعله النظام نفسه دليلا على “القوة الضاربة للجزائر الجديدة”، ونقصد به ملف الانضمام إلى مجموعة البريكس، والذي انتهى بهزيمة مخجلة على الرغم من الدعاية الجبارة التي سخرها الرئيس تبون وإعلامه، من أجل جعل هذا الحلم واقعا لدى الجزائريين، قبل أن يشهدوا بأم أعينهم تحوله إلى كابوس!

نسوق هذه الأزمات الخارجية دون التطرق لعشرات الأزمات الداخلية الناجمة عن فشل مختلف الحكومات التي تعاقبت في حقبة الجزائر الجديدة، عن تحسين أي جانب من جوانب حياة الجزائريين، لا من حيث إنهاء الطوابير على المواد الأساسية، ولا من حيث الحريات وتصفير السجون من معتقلي الحراك، ولا من حيث تقليص عدد من يلقون بأنفسهم في قوارب الموت، وغيرها الكثير. بل إن عجز النظام على مدى السنوات الخمس الماضية عن إنجاز مهمة بسيطة تتمثل في شراء -أو حتى استئجار- طائرات إطفاء الحريق لتجنيب غابات الجزائر وسكان مناطقها الجبلية لهيب الحرائق التي تشتعل كل صيف، لاسيما في منطقة القبايل، دليل على عجز هذا النظام العسكري الفاشل عن النجاح في أي مهمة داخلية او خارجية!

ورغم سلسلة الهزائم هذه، فإن الرئيس تبون أثبت بأنه لا يملك ذرة واحدة من الخجل تجعله يتحفظ على تكرار وعوده الكاذبة للجزائريين، حتى مع إدراك كل جزائري منكوب بحكم هذا النظام، بأنه لم يحقق أي وعد من تلك التي قطعها في الحملتين الانتخابيتين الرئاسيتين اللتين خاضهما، ولا في اللقاءات الإعلامية الدورية التي يطبل لها إعلامه بصفاقة منقطعة النظير! ولعل خرجته الأخيرة في حضرة رجال الأعمال، وإصراره المثير للسخرية بأن بلاده ستصبح القوة الاقتصادية الأولى في أفريقيا، بدخل قومي يتجاوز 400 مليار دولار، يقترب من ضعف دخلها المعلن حاليا، وذلك خلال عامين ونصف (قبل نهاية 2027)، علما بأن اقتصاده ينمو بوتيرة تدور حول 4 بالمئة، وليس 40% أو 400%!! والأدهى من كل ما سبق، أن الرئيس تبون الذي يعتمد اقتصاده على الصادرات النفطية بنسبة تتجاوز %90، تحدث بهذه الثقة وهو يشهد تدهور أسعار الطاقة بسبب الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين، وكان يمكن لأي من مستشاريه الاقتصاديين (إن كانوا مطلعين على ما يدور خارج حدودهم) أن يهمس في أذنه بأن أسعار النفط ليست مرشحة لتجاوز سقف الـ60 دولارا للبرميل خلال ما تبقى من العام، وربما حتى الموعد الذي ضربه تبون لتحقيق وعده (نهاية 2027)، بل إن احتمال انهيارها إلى ما دون 40 أو 30 دولارا للبرميل هو احتمال قائم، فماذا سيقول الرئيس الجزائري ساعتها؟!

أما ما يمكن تسميته “بالعمى” لدى جنرالات النظام، فيتمثل في تجاهلهم لحقيقة أن تخفيف عدد الواقفين في الطوابير عبر توفير ما يحتاجونه من سلع أساسية، لا يكفي وحده لمنحهم شهادة أنهم “قطعوا الواد وجففوا أرجلهم”!! على حد تعبير المثل المغربي. لأن حاجة الجزائريين للحرية والكرامة، ولمحاسبة المكلفين بإدارة شؤونهم العامة، لا تقل عن حاجتهم للخبز؛ كما أن وضع حد “لحروب الجنرالات” التي كان من نتائجها المباشرة فرار العديد منهم، وزج العشرات الآخرين في السجون، هو ضرورة لاستمرار النظام العسكري نفسه ووقف تآكله من الداخل.

خسارة النظام المرتقبة لدعم الحليف الاستراتيجي فرنسا، الذي أصبحت أخبار تدهور علاقاته بها على صفحات الجرائد ولم تعد حبيسة الغرف المغلقة، تتزامن مع عجزه عن كسب المورد الأول للسلاح روسيا، بسبب الرعب المبالغ فيه من ردة فعل غاضبة من إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، وعدم اكتراث الصين بتقديم أي نوع من أطواق النجاة لهذا النظام “منتهي الصلاحية”، ناهيك عن توتر علاقته بلاعبين دوليين أقل حجما كتركيا، رغم ترويجه الدائم لعلاقاته المتينة معها، كلها عوامل تقول أن هذا النظام، الذي اعتاد منذ تأسيسه أن يعيش في كنف وحماية قوة كبرى، بدأ يحس بأنه متروك في العراء دون أي مظلة، إحساس من شأنه التعجيل بنهايته إذا أدرك الجزائريون هذه الحقيقة، وأن معركتهم مع نظامهم الفاسد لا تجري في وجود أي أفضلية له، وأنه يعيش فعلا أضعف حالاته!!

ختاما، مع تأكد الجزائريين أنهم يعيشون في ظل منظومة فشل لا أمل في تحقيقها أي نجاح يذكر من تلك النجاحات التي يروج لها رئيسهم، فسيكون ذلك إيذانا بتجدد الحراك، لكن الفرق الأساسي بينه وبين جولته الأولى في 2019، أنه لن يتوقف هذه المرة قبل كنس النظام بجميع تفاصيله، ليس فقط لأنهم استفادوا من درس إجهاضه المرة الأولى، ولكن لأن النظام في وضعه الحالي (تحت إدارة الجنرال شنقريحة)، أضعف بما لا يقاس من وضعه تحت إدارة الجنرال القايد صالح؛ والأيام المقبلة لديها اليقين!!

اقرأ أيضا

الجزائر والمغرب.. قراءة رمزية في حادثة ملعب “5 جويلية”!!

حادث مؤسف شهده الملعب الأكبر في الجزائر "5 جويلية" بسبب انهيار حاجز حديدي في الطابق الثاني، مما أدى لسقوط قرابة 85 من مشجعي نادي مولودية الجزائر العاصمة إلى المدرجات السفلية، مما أسفر عن 3 ضحايا وأزيد من 81 جريحا متفاوتي الإصابات.

قناة العيون تسلط الضوء على “المسيرة السوداء”.. مأساة إنسانية لم تندمل جراحها (فيديو)

لا تزال جراح المغاربة المطرودين تعسفا من الجزائر في سنة 1975 نازفة، بعد مرور قرابة نصف قرن على واحدة من أفظع المآسي الإنسانية في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية.

الحقيقة التي يكابر النظام الجزائري في قبولها: ملف الصحراء حسم أمميا

لا يزال إعلام النظام الجزائري يعاند في قبول حقيقة الموقف البريطاني والدولي من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، بحجج كل واحدة منها أوهى من الأخرى. إنكار للواقع بدأ مع الإصرار على اعتبار الموقف الأمريكي المعترف بمغربية الصحراء مجرد "تغريدة" للرئيس دونالد ترامب، لا قيمة سياسية لها، وأتبعها بهجوم حاد على الموقفين الإسباني والفرنسي، مختصرا ما أقدما عليه بأنه لا يعدو "طبيعة استعمارية" متجذرة في بنية الدولتين! أما الموقف البريطاني الذي يعتبر نسخة حرفية من موقف سابقتيها، فيصر الإعلام الجزائري على أنه مختلف لكونه لم يعترف بالسيادة المغربية، وأن عبارة تقرير المصير، التي وردت بمباركة المغاربة والبريطانيين في بيانهما المشترك، لا تعني شيئا سوى "دعم خيار الاستفتاء" المقبور!!