بقلم: نوفل البعمري
تخلد أسرة ضحايا مخيم اكديم ازيك و أصدقاؤهم ذكرى الأحداث الأليمة لمخيم اكديم ازيك التي حدثت يوم 8 نونبر من سنة 2010، التي راح ضحيتها 11 فرد من عناصر القوات العمومية والدرك الملكي والوقاية المدنية ممن تم قتلهم بدم بارد، والتنكيل بجثثهم والتبول عليها، في مشاهد ليست فقط مؤلمة بل بشعة، لا إنسانية، تنزع صفة الآدمية عن مرتكبيها وعن المحرضين عليها.
الذكرى لهذه السنة تاتي في ظل سياق أممي مغاير يحاول فيه خصوم المغرب، بعد أن فقدوا كل الأوراق في استغلال ملف معتقلي المخيم، الذين حوكموا في مرحلتين، الأولى بالمحكمة العسكرية وبعدها بالجنايات الاستئنافية بالرباط، بعد أن تم نقض الحكم وإحالته من جديد على محكمة مدنية، توافقا مع التعديلات التي شهدها قانون العدل العسكري الذي أصبح لا يجيز محاكمة المدنيين أمامهم، ولو أن هناك سؤال يطرح نفسه، هل من تلقى تدريب عسكري-مليشياتي على يد جنرالات جزائريين، من ارتكب تلك الأفعال الخطيرة ومن أعلن أنه منخرط فيما يسمى بـ”الجيش الوطني الصحراوي” يمكن وصفه بالمدني؟!! و الذين يعتبرون ما حدث من تقتيل وحشي “ملحمة” مدعاة للافتتخار من طرفهم ومن طرف البوليساريو؟!! نترك الجواب للتاريخ!!
إن محاولة خصوم المغرب إشهار ورقة معتقلي مخيم اكديم ازيك أمام الآليات الأممية المعنية بحقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان، يفرض نوعا من التعامل الحقوقي مع هذه المؤسسات بشكل مغاير للذي يتم حاليا، إذ أن مختلف الآليات حالياً تستمتع فقط لرأي الجمعيات الممولة من طرف الدولة الجزائرية لتقديم مقاربات ووقائع غير صحيحة أمامها، دون أن يتمكن أسر الضحايا من بسط وجهة نظرهم أمامها، وذلك ليس بسبب عدم قدرتهم على الترافع أمام هذه الآليات، بل بسبب الانحراف الذي طال الملف ككل، والتعاطي المسيس معه من طرف بعض هذه الآليات التي رفضت في مرات عديدة الجلوس والاستماع لأسر الضحايا ولا لدفاعهم رغم الرسائل المتكررة لهم، والتي تلوقها لأن هناك جدار من الإسمنت يحول دون وصول صوت أسر الضحايا لهذه الآليات، مما يفرض ممارسة ضغط حقوقي قوي على هذه الآليات التي تصدر بلاغاتها الغير المحادية دون الإطلاع على مسار الملف قضائيا الذي اتخذت فيه جل الإجراءات القانونية المتلاءمة مع المواثيق الدولية ومع الدستور والمسطرة الجنائية المغربية من عرضهم للخبرة على أطباء مستقلين، وفقا لبروتوكول اسطنبول بناء على قرار تمهيدي صادر من الهيئة التي كانت تنظر في الملف، إلى تمكينهم من حق الدفاع عند انسحاب دفاعهم في إطار المساعدة القضائية، إلى احترام كافة حقوقهم… أضف لكل ذلك اعترافات بعضهم التلقائية بارتكاب هذه الأعمال الإجرامية… وغيرها من الوقائع الإجرائية التي لا يسمح المقام ببسطها كلها وهي الإجراءات التي تتغاضى عنها هذه الآليات الأممية عن عمد بسبب سقوطها في عدة الحيادية، وبالتالي تصدر “مقرراتها” بخلفية مسيسة وغير موضوعية وتسقط في فخ دعاية الخصوم الذين يريدون تحويل الملف من محاكمة لمعتقلي الحق العام إلى معتقلي الرأي والتعبير.. فهل من قام بذبح أشخاص آخرين، والتبول على جثثهم وحرمانهم حتى من ترديد الشهادة ونحرهم وقتلهم بدم بارد بالحجارة… يعتبرون في حكم المعتقل السياسي؟! الجواب موجود في القانون الدولي لحقوق الإنسان كذا الإنساني الذي ترفض هذه الآليات أعمالها لأنها تكشف عن حقيقة هؤلاء ممن ارتكبوا هذه الأعمال الإجرامية الخطيرة.
إن محاولة خصوم المغرب اليوم في الدفع بتبني الآليات الأممية لمواقف مسيسة لا تعكس حقيقة الملف، ذلك بعد فشل معركتهم أمام مجلس الأمن، بحيث كانوا يدفعون و يضغطون من أجل استصدار قرار أممي يدين المغرب في أبريل من سنة 2018 تزامنًا مع محاكمتهم، إلا أنهم فشلوا، وبعد أن اقتنعوا أن الأمانة العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لن يسايروهم عمدوا بطرق ملتوية إلى محاولة التسلل للآليات المعنية بحقوق الإنسان بمجلس حقوق الإنسان بتقديم وقائع مغلوطة وغير صحيحة، ولدفع هذه الآليات إلى السقوط في فخ السياسة، مما يجعل من كل الوثائق الصادرة عنهم في هذا الملف سواء تعلقت بادعاء تعرض الذين حوكموا على خلفية هذه الأحداث للتعذيب، أو في إطلاق حكم قيمة غير موضوعي ولا قانوني بكون المحاكمة التي تعرضوا لها “غير عادلة”… هي وثائق تتنافى والمبادئ المؤسِسة لعمل هذه اللجان الأممية، وهي الاستقلالية، الحياد والاستماع لكل الأطراف، خاصة وأن تنسيقية أصدقاء أسر ضحايا المخيم راسلوا في غير ما مرة هذه اللجان من أجل الجلوس معهم لتوضيح وجهة نظرهم باعتبارهم الضحايا الحقيقيون في هذا الملف، إذ لا وجود لأي ضحية غير من تم قتلهم بدم بارد وانتهك في حقهم الحق في الحياة، و لا وجود لأي ضحية غير أسر الضحايا نفسهم الذي فقدوا معيلهم وفلذات أكبادهم وآبائهم ومنهن من ترملت في عمر الزهور ومنهم الأطفال الذين يُتموا… هؤلاء هم الضحايا الذين تتغاضى عنهم هذه اللجان، والتي تحتاج إلى إعادة تحديد مفهوم الضحية من منظور حقوقي صرف وليس سياسي، وإلى أن يحدث ذلك يظل كل ما صدر عنهم غير جدير بالاعتبار لا حقوقيا ولا إنسانيا وقضائيا، ويستوجب الرد عليهم بشكل مباشر من طرف المؤسسات الرسمية مع فسح المجال أمام أصدقاء وأسر الضحايا الترافع داخل مجلس حقوق الإنسان واللجنة الرابعة لعرض حقيقة الملف، ولكشف حقيقة المتورطين فيه سواء ممن تمت محاكمتهم أو المحرضين الذين مازالوا في حالة فرار داخل المخيمات.