ها هي الطفلة البتول أخيرا إستجابت لحركات ريكو وصراخه وبدأت هي الأخرى بالحركة والكلام أرادت أمها أن تحتضنها فمنعتها قائلا بهمس دعيها تتحرك وتتكلم وتفرغ كل توثرها والطاقة السلبية بداخلها وبدأت تتمشى ببطئ نحو قفص ريكو فكانت لوحة إنسانية رائعة فريكو يحاول جاهدا “ملاغاة” الأنثى أتينا وقد نسي في دقيقة كل المرض والإكتئاب والعجز الذي كان فيه وها هو يرقص بحماس “كعزري الدوار” في الأعراس الصيفية والببغاء أتينا تحفزه بالغناء وتارة أخرى تشجعه بالحركات ومرة تغريه بضمها بنفش ريشها وهو بين هذا وذاك يستعيد وعيه ونشاطه وغريزته عنوانا لقوة الإرادة والتمسك بالبقاء…
أما الطفلة فهي تنظر لريكو بلهفة وترقب وتتفاعل مع حركاته كأم ترى طفلها الصغير يستعيد حياته ويقبل عليها بلهفة وشوق وسط هذا المنظر الفريد والرائع المليء بالأحاسيس والمشاعر المتناقضة ولكنها تصب في واد واحد هو الإرادة والحياة والإصرار إلتف إلي والداي الطفلة فوجدت الأم وهي تنفت في صدرها ثلاث مرات وتتلوا بعض أيات القرآن وهي ترتعش من رؤية هذا المنظر أما الأب فكان مظهره مثير للضحك فهو يبكي بقرحة وعيناه تذرفان الدموع بغزارة وأنفه يسيل بالمخاط كالأطفال وهو يبتلع الدموع والمخاط على حد السواء في منظر مقزز ويتمتم وسط دموعه ويقول “واش غيطلب منا شي فلوس أخرى ولا غايدير معانا لجميل ويخلي لينا هاد النثوة فابور أمم أمم”…
فتحت القفص وأخرجت ريكو وأعطيته للبتول لتسترد هي الأخرى حيويتها ونشاطها وأخرجت أيضا أتينا من القفص لأحظى معها ببعض الوقت قبل أن أتركها لأسرة المدير لأخر مرة وبعدما عادت المياه إلى مجاريها ورجع كل شيء لطبيعته أخذت ريكو من عند الطفلة وأدخلته للقفص وبعدها أدخلت العروسة أتينا ويا للمفاجأة وهول ما رأيت فما إن دخلت الببغاء على ريكو حتى أنقض عليها ريكو كالأسد وبدأ يمارس حقه الطبيعي بكل حرية ولهفة وشغف وأتينا تتجاوب معه بكل فرح وحماس فالإثنان كان محرومان ولم يعيشا دورتهما الطبيعية منذ مدة تركتهما وتوجهت إلى البتول لأداعبها قليلا وألعب معها… فوكزت الأم زوجها مستغلة إنشغالي بالبتول وهي تقول بهمس “هانت شوف ريكو ليكان غيموت ها هو محيح ومعرس مع راسو سعدات أتينا به” أجابها الرجل بحياء “وتا نتي شحال قدو دبا يعيا حتى هو ويولي دايرها بحال ختو” فقالت له الزوجة بامتعاض ل”ا لا هاذي باينة خدمة “سي بوقال” عندك نمرة ديالو” أجابها بهمس أه علاش أجابته بسرعة “دبا ريكو عرس باقية نوبتك نتا” قال لها محتجا “لا لا أنا غير محتاج لهادشي أنا بحال الثور خاصني غير تبرى ليا بنتي ونعجبك” أجابته بخبث النساء “انت واخا يخرج لدوى ديال لكونصير أو بومزوي تبقى أنت هو أنت مافيك نفع”…
إلتفت إلي المدير محاولا تغيير مجرى الحديث كيف سأجازيك أسي الفقيه مهما فعلت سأعجز عن تسديد دينك أجبته قائلا لا تكلف نفسك فقط المبلغ الذي إتفقنا عليه من قبل لا أقل ولا أكثر تدخلت هذه المرة الزوجة وهي تقول المبلغ الذي طلبته “ها هو فوق المائدة كما أمرت هذا من عندي زوجي ومعه مليون سنتيم من عندي فرحة بعودة إبنتي” أجبتها شاكرا شكرا على كرمك يا سيدتي ولكني سأخذ المبلغ المتفق عليه فقط أجابتني الزوجة وهي تقول بحدة وهي “تدق على زوجها” “يحرم علي راجلي إلى تاخدها والقلب صافي حنا المباركين لرجعات لينا بنتنا” ونظرت لزوجها بنظرة ساخرة فيها قبولي بالمبلغ فحاول الأحمق أن يبدو كريما أمامي وأمام زوجته فقال وهو يتصنع الكرم “ماغاديش تمشي خاوي “أسي بونوارة” حتى أنا “غادي نعطيك واحد لكادو” أجبته حرجا وأنا أتوقع هدية غريبة كصاحبها “بلاش عليك بلا منشقيك معايا غير هادشي فيه الكفاية”…
نظر إلي بإصرار وهو يقول أقسم أن تأخذ هديتي معك فهذه الهدية غالية لا تذهب إلا عند الغاليين فذهب إلى بيته وبعد مدة قصيرة عاد ومعه “كرطونة ديال ݣارو وينسطو كبيرة” فقلت له بخجل معذرة أنا لا أدخن لا يمكنني أن أقبل هذه الهدية أجابني وهو مازال يتصنع الكرم “هادشي ماشي ݣارو صبر على رزقك” تسائلت في نفسي ماذا يخبئ لي هذا البليد وفجأة أخرج كمية كبيرة من الأقلام والملونات وبعض الدفاتر الفارغة والمقلمات وقال لي بفخر “هاك هذي هي الهدية ديالي كيف جاتك” أنا شخص أقدر العلم وأدواته لكني إستصغرت الهدية وفي نفس الوقت تذكرت أخي وأبناء الدرب التلاميذ فهده الدفاتر والأقلام ستنفعهم فوافقت على أخد الهدية واطمأنيت على البتول و”ريكو” فوجدتهما على أحسن حال وعاودت مراجعة البرنامج مع الوالدين الذي سيمشيان عليه مع إبنتيهما وقبلت البتول وقررت المغادرة وقبل أن أصل إلى الباب أوقفني الأب وهو يقول بارتجاف وخوفا من جوابي سيدي ماذا عن الببغاء أتينا كم تطلب ثمنا لها أضحكني مظهره وهو يرتجف من شدة بخله وحرصه على المال قلت له وأنا أضحك الببغاء أتينا هدية مني للبتول فقط إعتني بهم أجمعين وسيكون كل شيء على ما يرام ضربته زوجته بمرفقها وهي تشير له إلي ليخاطبني في حالته لكن إختفيت بسرعة وراء الباب فلدي عمل أخر فلقد حفزني منظر ريكو وأتينا وهما يمارسان حياتهما الطبيعية وينفسا عن رغباتهما الدفينة المكبوتة والسعادة التي بدت عليهما حينها إجتمعا على بعضهما رغم أنهما في قفص حديدي وليس في الطبيعة التي خلقا فيها…
راجعا من بيت المدير في “طاكسي صغير” وصاحبه يستمع إلى محطة إذاعية محلية مشهورة وصوت صباح فخري يغني ويقول “إبعث لي جواب وطمني” فقررت أن أستعمل الطريقة القديمة التي كان يستعملها المراهقين في الزمن الجميل وهي أن أكتب رسالة غرامية أشرح لسعدية مشاعري النبيلة نحوها ورغبتي في الزواج منها بكل بساطة ووضوح وأن أرسلها اليوم قبل الغد وهكذا توجهت إلى البيت مباشرة وأنا أرد على تحية وسلام أبناء الدرب على عجل صعدت إلى البيت وأغلقت باب غرفتي علي وبدأت أكتب كل ما أشعر به من حب وعاطفة إتجاه السعدية وكتبت لها أشهر الأبيات الشعرية وحتى لا أنسى تلك الجملة المشهورة في الرسائل الغرامية سنوات أواخر الثمانينات والتسعينات وهي “أحبك حبا جما”…
كم كانت هذه الجملة متداولة أيام مراهقتي أتممت رسالتي بعد وقت طويل نظرت من النافذة وجدت الظلام قد بدأ يخيم لهذا قررت الإسراع بإعطاء السعدية الرسالة خرجت إلى “الدرب” أبحث عن “عبد الواحد لينݣوص” فهو من وقع عليه إختياري لكي يكون مرسول الحب ولكن أكثر ما كان يزعجني هو غبائه وجدته بصعوبة فقلت له خذ هذا المكتوب وأعطه للسعدية إخفه جيدا وإحذر أن يراك أحد هل فهمت أجابني بغبائه المعتاد “كون هاني أسي الشريف انت غير برݣم وانا نفهم تسليم “أسي بوسنطيحة” أعطيته الرسالة وأنا غير مطمئن من غبائه ذهبت لأنام وأنا أنتظر فقط يوم الغد استيقظت كعادتي في العاشرة فطرت على عجل ونزلت إلى الدرب وقفت عند الباب فإذا بالسعدية قادمة نحوي وهي حزينة وقالت لي بلا سلام ” اش هاد المنكر”….يتبع