هل كان الحظ حليفا لزعيم التجمع الوطني للأحرار، عندما زل لسان نظيره الاستقلالي حميد شباط، وصنع أزمة كبرى بتصريحاته تجاه الجارة الجنوبية موريتانيا، مما أعطى لمطلب أخنوش بإبعاد الغريم الاستقلالي مصداقية، ووفر السلم لرفاق بنكيران للنزول عن شجرة التحالف معهم؟ هذا ما يبدو على الأقل، وما أكدته الساعات الماضية.
حل عقدة الاستقلال، والذي قوى الامل بتجاوز حالة “البلوكاج” التي شهدتها عملية تشكيل الحكومة منذ أكتوبر الماضي، لا يعني أن الطريق قد أصبحت مفروشة بالورود، في وجه شريكي التحالف بنكيران وأخنوش. فالأول، وبعد أن رجع لخيار الأغلبية الماضية التي سيرت الحكومة المنتهية ولايتها، قدم عرضا لا يزال ينتظر جوابه من قبل شريكيه، الأحرار والحركة الشعبية، بينما ألقيت على كاهل أخنوش مهمة أصعب، وهي كيفية التحلل من التزاماته تجاه شريكه الاتحاد الدستوري، وحليفه الاتحاد الاشتراكي.
الاتحاد الدستوري الذي دخل مع الأحرار في عملية تنسيق سياسي على أعلى مستوى، أقر خلالها الحزبان مبدأ تشكيل فريق برلماني واحد، سرعان ما تعالى صوته بالاحتجاج على فرض بنكيران إقصاءه نظرا لكونه ليس جزءا من الأغلبية السابقة، ولأنه عبر عن رفضه سابقا لدخول الحكومة بدون الأحرار، وربط بالتالي مصيره به طواعية. ومصدر الأزمة هنا، أن محمد ساجد زعيم الدستوريين كان يتحدث بثقة تامة، بأنه مع أخنوش، داخل الحكومة أو خارجها، ويجد نفسه الآن مهددا بالخروج من الباب الضيق ومواجهة مصير البقاء في المعارضة لخمس سنوات مقبلة. وبالتالي، وفي ظل وجوده في المعارضة ضمن فريق مشترك مع حزب في الأغلبية، هل سيصوت مع أو ضد هذه الحكومة؟؟!
أما الاتحاد الاشتراكي، فكانت ردة فعله أكثر عصبية، بل ويمكن القول دون أدنى مبالغة، أن حالة “هستيريا” قد انتابت قيادة الحزب وهي ترى أملها في دخول الحكومة يتبخر، نظرا لأن أخنوش لم يعلنها صراحة بأنه لن يدخل بدونه، مثله مثل الحركة الشعبية، التي يمكن القول أنها المحظوظة الوحيدة في هذه التطورات، حيث أن مقاعدها السبعة والعشرين كانت ضرورية لاستكمال الأغلبية العددية لتشكيل الحكومة، ولو دخل الاستقلال لكانت الآن تصدر بيانات احتجاج مماثلة، ولتحسس زعيمها محند العنصر رقبته، كما يفعل نظيريه لشكر وساجد في هذه اللحظة.
وهنا ينتصب سؤال كبير: ما هو هامش المناورة المتاح أمام زعيم الأحرار أخنوش، للعودة إلى اشتراط دخول شريكه الدستوري وحليفه الاشتراكي مقابل قبول عرض بنكيران؟ لاسيما وأنه سيصبح مسؤولا ساعتها، ودون أدنى مواربة عن حالة “بلوكاج” جديدة، لن يمكن حلها على الأغلب دون الذهاب مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع. وفي حال تغلب منطق الواقعية السياسية والمصلحة الوطنية، كيف يمكن لأخنوش تبرير تخليه عن الاتحادين اللذان ربطا مصيرهما به؟ وهل يقبل مثلا بإعطاء بعض من حصته الوزارية لشريكه الدستوري، وهو ما تعترضه عقبة كثرة الراغبين بالاستوزار داخل حزبه؟ وبالمقابل، هل يمكن لبنكيران ورفاقه قبول مطلب مثل هذا من قبل أخنوش، ثمنا لتشكيل الحكومة، لاسيما بعد سلوك الحزبين خلال المرحلة السابقة، حيث أغلق الدستوري الباب أمام مجرد قبول عرض بنكيران بدخول الحكومة، وفضل التفاوض على دخولها مع أخنوش بدلا من رئيس الحكومة المعين، بينما جعل الاشتراكي بنكيران يتصبب عرقا وهو يقف على أعتابهم استجداء لتشكيل حكومة مكونة من العدالة والتنمية، والمغفور لها “الكتلة الديمقراطية”، ورفضوا إعطاء موافقة واضحة على عرض دخول الحكومة، وآثروا التنسيق بدورهم مع أخنوش، والإشادة برصيدهم التحالفي معه.
من الواضح، أن الأحزاب المختلفة مارست رهاناتها بطريقتها، وفوضت أمرها لزعاماتها لإدارة معركة تشكيل الحكومة، وهي الإدارة التي سيشكل دخول الحكومة الجديدة معيارا واضحا على صوابها أو خطأها. وبالتالي، من المرجح أن من سيفشل في دخول الحكومة منهم، سيعرض نفسه لاحتمال الخروج من الحياة السياسية برمتها، مع تحفز المنافسين داخل كل حزب للقفز على رئاسة حزبهم، واستبدال طاقمه القيادي كاملا، وربما إجراء تغيير جذري لمجمل سياساتهم وتحالفاتهم المستقبلية.
لقد دقت ساعة الحساب داخل جميع الأحزاب التي قاومت قياداتها هذه الللحظة دفع الحساب عن ممارساتها ورهاناتها وخياراتها: حزب الاستقلال الذي عليه إعادة النظر في مجمل حصيلة زعيمه شباط وفريقه، وهي العملية التي بدأت عمليا، وينتظر أن تسفر في مارس المقبل عن قيادة أكثر قربا من العدالة والتنمية، وتكريس خيارها في التحالف الاستراتيجي معه. وحزب الاتحاد الدستوري الذي سيواجه سؤال الاستمرار كحزب صغير محكوم بالزوال أو الذوبان في إطار التجمع الوطني للأحرار الأقرب إليه من جميع النواحي. وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي لن يجد بدا من إحداث القطيعة مع كامل منهج زعيمه ادريس لشكر وفريقه ورجالاته، إما للعودة إلى نوع من التنسيق المبدئي مع الكتلة الديمقراطية، أو انتهاج خط يساري جديد، ربما يجمع تحت مظلته رفاق اليسار الاشتراكي الموحد الذي أظهر قوة كبيرة في المعاقل التقليدية له، وبالتالي توحيد اليسار المغربي لأول مرة، دون أن يعلم في هذه اللحظة، السياسة التي سيختطها لنفسه: الوقوف بجانب العدالة والتنمية مثل شركائه الاستقلال والتقدم والاشتراكية، أم تغليب المنطق الأيديولوجي، وأخد مسافة كافية من الأقطاب الأخرى، إسلامية كانت أو ليبرالية.
أيا كان الحال، فمعركة تشكيل الحكومة لم تنته بعد، وإن كانت إرهاصاتها قد بدأت، والساعات القليلة القادمة ستجيب على مختلف الأسئلة والرهانات، وسينجلي غبار المعركة عن خريطة واضحة للرابحين والخاسرين، وبالتالي حسم مصير قيادة كل طرف.