تودع الجزائر اليوم، عاما لم يحمل معه تغيرات دراماتيكية، كتلك التي حملها العام الماضي، وكان أبرزها تصفية أحد أطراف “ثالوث” السلطة في الجزائر ممثلا في جهاز المخابرات العسكرية النافذ، بإقالة رئيسه القوي الفريق محمد مدين (توفيق)، وتبلور جناحين هما “معسكر الرئاسة” في مقابل “مؤسسة الجيش”. وهكذا، ضاع عام كامل لم يستفد منه هذا البلد العربي والإفريقي المركزي، في بلورة حلول عملية ناجعة للأزمات التي يتخبط فيها على مختلف الأصعدة، والتي يتدحرج بعضها منذ الاستقلال.
مؤسسة الجيش، اعتمدت سياسة “الانتظار”، وتهدئة “اللعب” في انتظار الشغور الرسمي لمنصب الرئاسة، رغم إدراك خمسة وثلاثين مليون جزائري أنه شاغر عمليا منذ الجلطة التي أصابت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قبل ثلاث سنوات، حتى لا تعطي لخصومها في المعسكر المقابل فرصة اتهامها “بالانقلاب”، على غرار ما عاشته دول أخرى. هذا الانتظار الذي تعددت القراءات بشأنه، لم يمنع من إجراء بعض التغييرات الهادئة داخل المؤسسة، لكنها لم ترق إلى ما كانت التحليلات المختلفة تتوقعه من أن تطال “حملة التطهير” التي بدأت صيف 2015، بعض قادة النواحي العسكرية وغيرها من الأجهزة الأمنية، كما أنها لم تبلور مستقبلا واضحا للمؤسسة نفسها، والأهم، أنها لم تسفر عن وجهها للمواطنين، لتضعهم في سياق ما يجري وحدوده.
أما معسكر الرئاسة، والذي اختار بدوره سياسة “ترحيل الأزمات” في منحى واضح للهروب إلى الأمام، المعتمد في الجزائر منذ الاستقلال، فقد كان اعتمادها لسياسة الانتظار راجعا لجملة من العوامل أهمها، القوة التي تتمتع بها مؤسسة الجيش، والتي تزايدت بعد وراثتها لمعظم صلاحيات جهاز “الدي أر أس”، إضافة لعدم وجود بدائل حقيقية مجمع عليها للرئيس العاجز بسبب تعدد الأجنحة داخله، ناهيك عن ضخامة المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، والتي ساهم تدهور مداخيل النفط، المورد الوحيد للبلاد، في الحد من قدرتها على معالجتها، أو حتى التخفيف من آثارها.
والآن، ماذا بشأن العام الذي نستقبله.. 2017؟
ليس صدفة، بناء على التحليل السابق، أن تطالعنا يوميا كبريات مراكز الأبحاث ومجموعات التفكير الغربية، الأمريكية والفرنسية على الخصوص، بسيناريوهات متشائمة لمستقبل البلد، بل وبعضها كارثي، يذهب بعضها إلى توقع انضمام الجزائر إلى دائرة الثورات الاجتماعية العربية، مختلفة فقط في اعتماد أي السيناريوهات الأكثر ترجيحا: السيناريو التونسي أم المصري؟ بل ويذهب بعضها إلى الحديث عن سيناريو سوري أو يمني!!
لكن لو تصدينا بدورنا لمحاولة استقراء ما يحمله العام الجديد للجزائر، يمكن القول، بقليل من التحفظ، أنه، وفي انتظار “ساعة الصفر” المتمثلة في إعلان الشغور الرسمي لمنصب الرئاسة، تحديدا بوفاة الرئيس بوتفليقة الذي تنهش الأمراض جسده المتهالك، فإن الأوضاع لن تخرج غالبا عن السياق الذي اتخذته خلال 2016، في استمرار اعتماد مؤسسة الجيش لسياسة الانتظار، واعتماد نظيرتها في الرئاسة سياسة الهروب إلى الأمام، ودحرجة المشاكل بدل حلها، لإدراكها عجزها الكامل عن إحداث أي تغيير ذي معنى.
إن الرهان الحالم على ارتفاع صاروخي لأسعار النفط، يدفعها لتجاوز حاجز المائة دولار، يوفر للحكومة التابعة لمعسكر الرئاسة مزيدا من الموارد التي يمكنها بها شراء مزيد من الوقت، هو رهان تكذبه معظم تحليلات خبراء صناعة النفط، والتي لا تتوقع لأسعار الذهب الأسود متوسط أسعار يتجاوز الستين دولارا خلال 2017. وحتى لو ارتفعت الأسعار أكثر من ذلك، فإن عظم المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتجذر بعضها منذ الاستقلال، ورسوخ عقلية إدارية داخل معسكر الرئاسة تمنع من التفكير في أي تغيير جذري وجرئ، وتعدد الأقطاب داخل المعسكر، كلها عوامل ستمنع لا محالة اعتماد أية سياسة تقطع مع تلك التي نعرفها منذ عقود.
وعليه، وإدراكا منا لتعقد الوضع وتشابكه داخل هذا البلد المحوري، يمكن القول بثقة أن مقولة “كم من حاجة قضيناها بتركها” لا يمكن أن تجلب للجزائر أي خير، بل إن المرجح والذي يكاد يكون موضع إجماع، فإن سياسة الانتظار واللعب على عامل الزمن والهروب إلى الأمام، مع محاولات تجميلية فاشلة هنا وهناك، لن تؤدي سوى إلى مفاقمة الأوضاع، وزيادة تكلفة العلاج الحقيقي، وفتح باب المستقبل على سيناريوهات متشائمة، بل وكارثية! نسأل الله صادقين أن يجنب أهلنا في الجزائر تبعاتها ويخفف من آثارها.