ورطة النظام الجزائري في ظل التنافس الفرنسي الروسي على منطقة الساحل

بقلم: هيثم شلبي

يبدو أن أزمات النظام الجزائري في منطقة الساحل تزداد تعقيدا بوتيرة متسارعة لم يحسب لها الجنرالات حسابا، ويتحول بعضها إلى معضلات لا يدري أحد كيف سيتعاملون معها. أول الغيث الذي أتى “كالمهل يشوي الوجوه”-بعد سحب سفراء مالي والنيجر وبوركينا فاسو من الجزائر- كان اتخاذ مالي لقرار مماثل لما سبقتها إليه السلطات الجزائرية: غلق الأجواء في وجه الطائرات المتوجهة للجزائر أو القادمة منها. ويسود ترقب شديد أوساط النظام الجزائري لمعرفة ما إذا كانت النيجر ستقدم على إجراء مماثل، لأن من شأن ذلك أن يحول الأزمة إلى كارثة يصعب على شركة الطيران الجزائرية التعامل معها.

لكن لو حاولنا توسيع زاوية النظر إلى أزمات النظام الجزائري في منطقة الساحل، وتقسيم مسبباتها إلى ما هو ذاتي، يتعلق بعقيدة جنرالات النظام، مدنيين وعسكريين، الداعمة بطبيعتها للحركات الانفصالية والإرهابية، كوسيلة للتهديد والابتزاز لجوارها المباشر؛ وما هو موضوعي يتعلق بالدور الوظيفي للنظام الجزائري، الخاضع لإملاءات المستعمر القديم- الجديد فرنسا، ومورد السلاح الوحيد روسيا، والقوة المهيمنة الولايات المتحدة، والعملاق الاقتصادي الصين، بل ولاعبين أصغر على شاكلة تركيا والإمارات وإيطاليا! وبما أننا تطرقنا سابقا لما هو ذاتي، فلنحاول مقاربة معضلة التوازن بين المصالح المتضاربة، لهؤلاء “السادة” الذين يصدرون الأوامر لجنرالات الجزائر، ويتوقعون تنفيذها دون كثير نقاش!!

للتأكيد، فمعضلة جنرالات الجزائر لا تكمن في تعدد المشاركين في إصدار الأوامر لهم فحسب، ولكن في تضارب هذه الأوامر تبعا لتضارب مصالح “أولي الأمر” وتبدل وتشابك هذه المصالح. أما ما يزيد “طين الجنرالات بللا” فهي خصلة “التذاكي” التي تجعلهم يتوقعون دائما أن بإمكانهم تنفيذ الأوامر المتعارضة دون إثارة غضب أحد! وهنا، قد يستغرب البعض، بل ويشكك، في معقولية أن يكون جنرالات الجزائر برئاسة زعيمهم شنقريحة، قد فتحوا أبواب بلادهم لإدخال مرتزقة فاغنر إلى مالي تنفيذا لأوامر السيد الروسي، وفتحوا كذلك حدودهم لإدخال السلاح والمدربين الأوكرانيين لمساعدة ميليشيا الأزواد، تنفيذا لأوامر الأمريكان والفرنسيين، وهما مهمتان شديدتا التعارض، ومع ذلك، فكل المعلومات الموثوقة المتوفرة تؤكد حصول الأمرين المتناقضين معا!! تبعات هذا الأمر هي ما يعيشها النظام حاليا، بعد أن أصبح مرتزقة الفاغنر تهديدا محتملا للجزائر، وأصبح خبراء وسلاح أوكرانيا مصدر غضب السيد الروسي، الأمر الذي قد يكلف النظام غاليا.

أما فرنسا، وبعد أن سحبت آخر جندي لها من دول الساحل الأربعة، وحلت محلها قوات روسيا، فإن الجزائر -شاء نظامها أم أبى- هي رأس الحربة الوحيد الذي يمكن من خلاله الرد على التغلغل الروسي في المنطقة، وزيادة تكلفته من خلاله، وهو أمر تؤيده وتتفهمه الولايات المتحدة كثيرا، وفي سياقه جاء تكليف الأوكرانيين بمهمة هذا الرد. ويبدو الضعف الجزائري تجاه السيدين الروسي والفرنسي واضحا، ولا أدل عليه من الطريقة المهينة التي بها “لحس” جميع عنتريات رئيسها ومسؤوليها تجاه فرنسا، ودخلت إلى بيت طاعة سيدها دون كثير ممانعة، كما حاولت أن تفعل مع إسبانيا وفشلت. ولعل من ثمار هذا الانصياع “لرب” النظام الجزائري، ما قامت به الطائرات الجزائرية تجاه مسيرة الاستطلاع المالية، وما تقدمه كذلك من مساعدات للجماعات الانفصالية والإرهابية الفاعلة في منطقة الساحل. في المقابل، تدرك روسيا، أن “عنق” هذا النظام في يدها، والمتمثل في عصى صيانة “الخردة” السوفييتية التي يمتلكها الجيش الجزائري، وجزرة السلاح الأحدث الذي لا يبدو أن فرنسا والولايات المتحدة -حتى هذه اللحظة على الأقل- في وارد تعويضه، من قبيل طائرات سو- 57 الشبحية، وصواريخ إس- 500. ورغم ان روسيا تتفهم كذلك عدم قدرة جنرالات الجزائر على قول لا لسادتهم الغربيين، فلا يمكن لها أن تسمح لهم بأن يقوضوا جهود ترسيخ وجودهم في الصحراء الكبرى، من السودان وحتى حدود موريتانيا.

“لعب” جنرالات الجزائر مع الأتراك، مصنعي الطائرات المسيرة التي تحلق في أجواء دول الساحل، وما يمكن لهذا اللعب أن يؤثر على سياسة تركيا في المنطقة، وكذا قدرة شركة بايكار على تسويق منتجاتها فيها، من شأنه أن يوسع دائرة الغاضبين من سلوك جنرالات الجزائر، ويجعلهم -أي الجنرالات- في مواجهة جبهة من الغاضبين تضم إضافة لروسيا كلا من تركيا والإمارات. وتدرك الجزائر أن غضب هذه الأطراف الثلاثة لا يمكن أن يمر مرور الكرام، وسيضطر جنرالاتها لدفع ثمن باهض من جرائه. هذا المشهد، ربما يعطي بعض المصداقية للأخبار التي تروج حول قرب حصول الجزائر على أسلحة أمريكية وفرنسية وغربية، لتخفيف الضغط الروسي على جنرالاتها، وإن كان رصيد ثقة هذه الأطراف بمصداقية الممسكين بزمام السلطة في الجزائر، لطالما عطل هذه الخطوة، حيث لا ضمانات بتسرب تكنولوجيتهم إلى خصمهم روسيا.

وتكمن المفارقة في أن كلمة السر في هذا المشهد كله، والطرف الذي يمكنه أن ينقذ الجنرالات من ورطتهم نسبيا، يكمن في “العدو الأبدي” دون غيره: المغرب!! فهو الطرف صاحب الحضور الكثيف في منطقة الساحل، والطرف الذي يدير علاقات متوازنة وواضحة مع “سادة” الجزائر الأربعة: فرنسا والولايات المتحدة والصين وروسيا، ويحظى بثقتهم كاملين، ناهيك عن تعاونه الوثيق مع الأطراف الأخرى كتركيا والإمارات وغيرهما. ولا نقصد هنا أن يلعب المغرب دور الوسيط ما بين جنرالات الجزائر وهذه القوة التي تزداد غضبا على الجنرالات، كلما بالغ في محاولة إرضائهم!! ولكن المقصود، هو أن يقدم الجنرالات على اتخاذ قرار تاريخي بتصفية خلافاته المفتعلة مع المغرب، وإنهاء دعمه لمرتزقة البوليساريو تحديدا كعربون على تغير عقيدة النظام، بل وباقي الجماعات الإرهابية في مرحلة لاحقة. هذا القرار، هو الوحيد الذي من شأنه أن يقنع هذه الدول بأن الجنرالات قد قرروا فتح صفحة جديدة، وعليه فإنهم مطالبون بمنحه الفرصة ليتخذ موقفا محايدا من صراعاتهم، لتركيزه على تحسين علاقاته بمحيطه المباشر. خطوة كهذه من المؤكد أنها ستضطر الجنرالات إلى دفع أثمان باهظة، بالنسبة لهم على الأقل، لكنها في نهاية المطاف أقل من الثمن الذي سيضطرون لدفعه في حال قرروا الاستمرار في سلوكهم الحالي: رقبة النظام نفسها، والتضحية بوجودهم للأبد!!

كخلاصة، لا مخرج لجنرالات النظام الجزائري سوى بحسم قرارهم تجاه إحداث قطيعة مع سلوكهم “كمافيا”، ومحاولة ممارسة دور لم يعتادوا عليه منذ استقلالهم الصوري عن فرنسا: التصرف كرجال دولة!! فبدون هذه القطيعة وهذا التحول الحقيقي، لن يكون أمام النظام مهرب حقيقي من دفع جميع الفواتير التي تتراكم عليهم منذ عقود، والتي لن يرضى الشعب الجزائري الأبي مقابلها بأي ثمن أقل: رؤوس الجنرالات أنفسهم، ونظامهم بجميع تفاصيله!!

اقرأ أيضا

مكالمة من ماكرون تنزل النظام الجزائري عن شجرة “الأزمة المصطنعة” مع فرنسا!!

كما كان متوقعا، لم يستطع النظام الجزائري الاستمرار أكثر من ذلك في "مسرحية" النزاع مع فرنسا، وتكرار "عنترياته" السابقة مع إسبانيا، وتكفلت مكالمة هاتفية من "السلطان" الفعلي للجزائر، الرئيس إيمانويل ماكرون، بجعل النظام العسكري يسارع إلى إصدار ترجمة عربية ركيكة، للبلاغ الصحفي الذي صيغ في الإليزيه، تم نسخها على صفحة رئاسة الجمهورية على الانترنت، فيما شكل مفاجأة "مصطنعة" لكثير من المطبلين للنظام الجزائري، خارج حدود الجزائر!

محاولة جزائرية فاشلة لاستنساخ “صنصال” مغربي!!

في محاولة تقليد فاشلة، انتهت كالعادة بجلب سيل من السخرية على جنرالات النظام الجزائري، مدنيين وعسكريين، قام "جهابذة" النظام العسكري بمحاولة توريط السلطات المغربية في اتخاذ ردود أفعال مشابهة لما اتخذتها السلطات الجزائرية بحق الكاتب الجزائري- الفرنسي بوعلام صنصال، ردا على آرائه التي عبر عنها لإحدى المجلات الفرنسية، والتي اعتبر خلالها أن وهران وتلمسان، وليس فقط الصحراء الشرقية كانت تاريخيا تحت السيادة المغربية، وأن سلطات الجزائر نقضت وعودا قطعتها بإعادة المناطق المغربية التي ألحقتها فرنسا ظلما وعدوانا بجغرافيا الجزائر إلى الوطن الأم، المغرب، بعد أن تتحرر الجزائر، وهو الوعد الذي تنصلت منه وقاد إلى حرب الرمال التي لا تزال تشكل عقدة عند جنرالات الجزائر.

هل يملك النظام الجزائري فرصة لمواجهة “المد” الاقتصادي المغربي في أفريقيا؟!

بقلم: هيثم شلبي عجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بموجة من السخرية على فيديو …