بقلم: هيثم شلبي
في محاولة تقليد فاشلة، انتهت كالعادة بجلب سيل من السخرية على جنرالات النظام الجزائري، مدنيين وعسكريين، قام “جهابذة” النظام العسكري بمحاولة توريط السلطات المغربية في اتخاذ ردود أفعال مشابهة لما اتخذتها السلطات الجزائرية بحق الكاتب الجزائري- الفرنسي بوعلام صنصال، ردا على آرائه التي عبر عنها لإحدى المجلات الفرنسية، والتي اعتبر خلالها أن وهران وتلمسان، وليس فقط الصحراء الشرقية كانت تاريخيا تحت السيادة المغربية، وأن سلطات الجزائر نقضت وعودا قطعتها بإعادة المناطق المغربية التي ألحقتها فرنسا ظلما وعدوانا بجغرافيا الجزائر إلى الوطن الأم، المغرب، بعد أن تتحرر الجزائر، وهو الوعد الذي تنصلت منه وقاد إلى حرب الرمال التي لا تزال تشكل عقدة عند جنرالات الجزائر.
المحاولة الجزائرية الفاشلة “لاستنساخ” صنصال مغربي تمت من خلال أحد أزلام النظام العسكري، المدعو رشيد نكاز، والذي يحمل بدوره جنسية مزدوجة جزائرية- فرنسية، على أمل أن ينجح في استفزاز السلطات المغربية عبر تصريحات “تاريخية”، الأمر الذي يقود إلى اعتقاله، كما حدث مع صنصال الجزائر.
لكن المستوى “الهاوي” لمخابرات الجزائر، هو أبعد ما يكون عن “الاحتراف” المغربي، حيث أن تصريحات نكاز جلبت عليه من السخرية أكثر مما جلبت من غضب، بعد أن دافع عن نسبة مسجد الكتبية للجزائر على اعتبار أن بانيه جزائري!! مع اعتبار أن السيادة على الصحراء المغربية هي سيادة مزدوجة جزائرية- مغربية. تصريحات جرت عليه وعلى من أرسله في هذه المهمة الفاشلة سيلا من السخرية لم ينقطع حتى الساعة، فما هي أوجه الاختلاف بين الهواية الجزائرية والاحتراف المغربي في هذه القضية، على الرغم ما يبدو عليها ظاهريا من تشابه، بين الآراء التاريخية لصنصال ونكاز؟!
نبدأ بالمحتوى، فما قاله صنصال ينسجم مع حقائق التاريخ التي يجمع عليها مؤرخو الجزائر قبل المغرب، وهو معلوم للقاصي والداني -حتى من غير المتخصصين- بأن فرنسا اقتطعت آلاف الكيلومترات المربعة من المغرب وتونس وليبيا ومالي والنيجر من أجل توسيع حدود الجزائر الفرنسية، مستعمرتها الأثيرة التي كانت تعتبرها ملكية خالدة.
هذه “الهدية” المسمومة التي منحتها فرنسا لسلطات الجزائر، قادت إلى تشدد هذه الأخيرة في مبدأ “حرمة المساس الموروثة من الاستعمار” على الرغم من آلاف الوثائق والحقائق التاريخية، التي تحدد بدقة ما تم إلحاقه بالجزائر من أراض مغربية.
أما نكاز، أو لنقل صنصال المغرب، فكل ما استند عليه في نسبة جامع الكتبية إلى الجزائر، هو أن بانيه الموحدي، الملك عبد المومن بن علي الكومي ولد في “ندرومة” داخل حدود الجزائر الحالية، وهو ما يجعله مسجدا جزائريا!! لكن لو ربطنا كلام نكاز بما قاله صنصال، فإن حقائق التاريخ تجزم بمغربية تلمسان التي تتبعها قرية ندرومة، أما حقائق الجغرافيا، فقد وضعت ندرومة على بعد 20 كيلومترا من حدود المغرب الحالية، بينما تبعد نفس القرية عن تلمسان قرابة 42 كيلومترا، هذا في حال رسم خط مستقيم بين ندرومة وكلا من تلمسان وحدود المغرب! فكيف يصبح جامع الكتبية جزائريا أيها المدعو نكاز؟! وبنفس منطقك، هل يجوز اعتبار مسجد الجزائر الكبير الذي بناه الرئيس الراحل بوتفليقة مسجدا مغربيا، بحكم أن بانيه مولود في مدينة وجدة المغربية، حاليا وتاريخيا؟! ولماذا لا نجد مساجد مشابهة لجامع الكتبية المغربي في الجزائر، إذا كان الكتبية جزائريا؟!
وبتجاوز هذه الحجة الواهية المثيرة للسخرية، لنعرج سريعا على طبيعة الرجلين اللذان يشتركان في الجنسية الفرنسية، وموقف الناس السلبي منهما نظرا لمواقفهما الصادمة للرأي العام المحلي. فبوعلام صنصال حرفته الكتابة، وبالتالي يمكن اعتباره قارئا مطلعا قبل اعتباره كاتبا محترفا، الأمر الذي يؤهله للخوض في قراءات التاريخ المتعددة. أما رشيد نكاز، فتارة يقدم نفسه رجل أعمال، وتارة باللقب الفضفاض الذي لا يقول شيئا “ناشط سياسي”، وقد واجه الفشل في جميع مشاريعه التي دخلها، اقتصاديا وسياسيا، فبأي صفة خاض في التاريخ والجغرافيا؟ هل بصفة رجل الأعمال أم الناشط السياسي؟ لهذا، تجد أن الأول (صنصال) قد وجد منبرا فرنسيا أكاديميا للتعبير عن آرائه، بينما لم يجد نكاز سوى صفحته في وسائل التواصل الاجتماعي لإطلاق فرقعاته.
ونأتي إلى الأهم: كيف تصرفت السلطات الجزائرية مع صنصال، وكيف تصرفت نظيرتها المغربية مع نكاز؟! الأولى وضعته في السجن دون محاكمة منذ 16 نوفمبر 2024، قبل أن يتم تقديمه قبل ساعات للمحاكمة، بعد أزيد من أربعة أشهر من اعتقاله، مطالبة بسجنه لمدة عشر سنوات، وتغريمه مليون دينار جزائري (7400 دولار)، بتهم ثقيلة على شاكلة “المساس بالوحدة الوطنية” و”تهديد الأمن والاستقرار الوطني”، وغيرها؛ دون مراعاة لكبر سنه والأمراض المستعصية التي يعاني منها. أما نكاز، ومقابل شهور الإيقاف التي قضاها صنصال في السجن للتحقيق، لم يمكث في مقر الشرطة المغربية سوى بضع ساعات، طلب منه بعدها مغادرة التراب المغربي، فقط!! فما الذي يعنيه هذا الفارق الهائل بين السلوكين؟!
السلوك الجزائري دليل قاطع على مدى هشاشة النظام الجزائري الذي يهدد أمنه تصريح صحفي لمجلة فرنسية، يحمل آراء تاريخية قد تصح وقد تخطئ. هشاشة تفسر السجل المخزي لحقوق الإنسان في الجزائر منذ استقلالها “الصوري” عن فرنسا، مستعينة بالقوانين الفضفاضة التي تتيح للنظام إلقاء من تشاء في السجن للعدد الذي ترغبه من السنوات، وهو الأمر الذي يجد ترجمته من خلال مئات معتقلي الرأي الذين حوكموا لأسباب يجمع الكل على تفاهتها.
أما سلوك السلطات المغربية “المتزن”، فهو دليل على رسوخ النظام المغربي ومتانة سلطاته، ووجود هامش واسع يتيح للناس التعبير عما يشاؤون من آراء. وقد جاء طرد المدعو نكاز من المغرب في نطاق ممارسة السيادة التي ترفض تواجد أمثال هؤلاء التافهين داخل التراب الوطني.
وبالمحصلة، فرد فعل السلطات الجزائرية فتح عليهم أبواب جهنم “حقوقية” وسياسية، ليس في فرنسا فحسب، بل وفي أوروبا والولايات المتحدة وباقي بقاع العالم. وعلى النقيض، تحظى ردود فعل السلطات المغربية “العقلانية”، بإشادة جميع من أجمعوا على إدانة سلوك نظرائهم في الجزائر!
ختاما، فلو كان هناك من يقرأ ويتابع في المخابرات الجزائرية التي أشرفت على محاولة الاستنساخ الفاشلة لصنصال مغربي، لعلموا أن إسقاط السلطات القضائية والأمنية المغربية في مثل هكذا فخ ساذج هو أمر متعذر؛ وكان الحري بهم أن يدرسوا سلوك هذه السلطات مع عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والذي خرج منذ فترة بتصريحات أكثر استفزازا للمغاربة حول قضيتهم الوطنية، ولم يترتب على تصريحاته أي محاكمات أو أفعال متشنجة كالتي واجهها بوعلام صنصال في “جزائر الجنرالات الجديدة”!!
وهكذا، وبدل نصب فخ يورط السلطات المغربية مع فرنسا، ويوقعها في حرج حقوقي عالمي، بدا أن فخ رشيد نكاز قد شكل مصدر حرج إضافي لسلطات العسكر، يضاف إلى ورطة صنصال، ويحكم على أجهزة هذا البلد بالفشل الدائم!