هل يملك النظام الجزائري فرصة لمواجهة “المد” الاقتصادي المغربي في أفريقيا؟!

بقلم: هيثم شلبي

عجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بموجة من السخرية على فيديو لأحد المسؤولين الجزائريين يجري عملية دفع في أحد المتاجر باستخدام بطاقته البنكية.

السخرية تركزت بالأساس على اعتبار الحدث نفسه موضوعا يستحق التوثيق والترويج، وذهب البعض لتسميته بالاحتفال بوصول الجزائر أخيرا لمرحلة الدفع بالبطاقات البنكية، على الرغم من كون هذه التقنية معروفة في مختلف بقاع الأرض منذ عقود!

لكن وبعيدا عن السخرية، فإن الحدث يبرز صعوبة تحول الاقتصاد الجزائري إلى اقتصاد مفتوح وحيوي وحديث، من النمط “الاشتراكي” المغلق الحالي، حيث تتحكم السلطة التنفيذية بمختلف مفاصله، ولا يسمح بانفتاحه على المواطنين إلا “نقطة نقطة”، لاسيما وأن المسؤولين المنوط بهم القيام بعصرنة هذا الاقتصاد، يحتاجون هم أنفسهم لعملية “تحديث وترقية” لمعلوماتهم ومعارفهم ومقارباتهم الاقتصادية والسياسية، بسبب تجاوز معظمهم سن السبعين، قضوها كاملة داخل هذا الاقتصاد “المغلق” الذي لا يربطه بالعالم سوى صادرات القطاع النفطي.

صحيح أن الدفع بالبطاقات البنكية لم يبدأ مع عملية “صاحب الفيديو”، لكنه بالتأكيد حديث (يعود إلى بضع سنوات قليلة) إلى الدرجة التي تجعله موضوعا للتصوير أساسا!!

لكن ما علاقة حداثة الدفع بالبطاقات البنكية، والنية لاستحداث الدفع عبر الهاتف، بعنوان المقال، وبشكل أكثر تحديدا، منافسة “عدو النظام الجزائري الأزلي”: المغرب؟! لقد جاء انضمام المغرب للاتحاد الأفريقي، وقرار الملك محمد السادس بالتخلي عن سياسة “المقعد الفارغ” عام 2017، في أعقاب سلسلة من الأحداث التمهيدية قادها هو بنفسه، عبر تدشينه لزيارات شملت أكثر من ثلاثين بلدا أفريقيا، عبر أزيد من خمسين زيارة، قام خلالها بافتتاح المشاريع التي تجسد فلسفته للتعاون جنوب- جنوب، وفق مقاربة رابح- رابح.

زيارات لم تقتصر على حلفاء المغرب التقليديين في غرب القارة، وتحديدا تلك الناطقة بالفرنسية، بل شملت، ولأول مرة، دولا في شرق ووسط وجنوب القارة السمراء، يتحدث معظمها بالإنجليزية والبرتغالية.

هذا الانفتاح الاقتصادي المغربي على القارة، لم يمر عبر بوابة الاستثمارات الحكومية المغربية، وإنما عبر شركات القطاع الخاص الرائدة، والتي أهلته خلال سنوات قليلة، ليصبح أكبر مستثمر أفريقي في غرب القارة (محيطه الحيوي)، وثاني أكبر مستثمر في القارة السمراء بأكملها، ويتجه سريعا لإزاحة جنوب أفريقيا من الصدارة، والتي تتركز استثماراتها عموما في محيطها المباشر جنوب القارة.

وهكذا، شملت الاستثمارات المغربية أزيد من 32 دولة أفريقية، تتركز أساسا في قطاع البنوك (البنك الشعبي، التجاري وفا، وبنك أفريقيا)؛ الاتصالات (اتصالات المغرب)؛ الطيران (الخطوط الملكية المغربية)؛ الفوسفات (المكتب الشريف للفوسفات)؛ التأمين (سهام، تأمينات الوفاء)؛ التعدين (مناجم)؛ وغيرها من الشركات العاملة في مجالات الطاقة والبناء والشركات القابضة.

وعليه، ذهبت 63% من الاستثمارات المغربية خلال السنوات العشر الماضية إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء، بواقع: 31% لقطاع البنوك، 21% قطاع الاتصالات، 12% قطاع الصناعة، 11% قطاع العقارات، 10% للشركات القابضة، 9% خدمات متنوعة، 5% تجارة، 1% تأمين.

هذا التنوع والانتشار للاستثمارات المغربية في معظم دول القارة، يتفاوت ما بين استثمارات القطاع الخاص (في حوالي 32 بلدا)، وبرامج التعاون الفني والتقني والاقتصادي (في قرابة 15 بلدا آخر)، مما يجعل ست دول أفريقية فقط (الجزائر، جنوب أفريقيا، زمبابوي، ناميبيا، بوتسوانا، ليسوتو) خارج دائرة المنافع المشتركة -إلى حين- بسبب مواقف أنظمتها من مغربية الصحراء.

ورغم هذه المواقف المتشنجة، يواصل المغرب انفتاحه على هذه الدول، مطالبا بالتركيز على العلاقات الاقتصادية التي تعود بالنفع على شعوب القارة، وهو ما جسده من خلال حرصه على دعوة أربعة دول من جنوب القارة، لا تزال على عنادها في ملف الصحراء (زمبابوي، ناميبيا، بوتسوانا، ليسوتو) لحضور تدشين المشروع الخاص “بتطوير سلاسل القيمة الإقليمية للسيارات والتنقل الكهربائي” الموقع بين المغرب والكونغو الديمقراطية وزامبيا، من أجل إنشاء قطب عالمي لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في المنطقة، بديلا لتصديرها مكونات البطاريات على هيأتها الخام، وهو المشروع الذي يشكل حدثا استثنائيا جنوب القارة.

نفس الأمر يتعلق بمشروع بناء شركة “صوماجيك” لخطوط نقل الطاقة الكهربائية من جمهورية أنغولا إلى مناطق التعدين في الكونغو الديمقراطية وزامبيا، وهو ما يحقق فائدة مشتركة للدول الأفريقية المعنية.

هذا التركيز على جنوب القارة من طرف المستثمرين المغاربة الخواص، كفيل بإحداث تحول نوعي في علاقات هذه الدول السياسية مع المغرب، بشكل يسرع عملية سحبها لاعترافاتها بجمهوريات الوهم، وبالتالي تترك الجزائر وجنوب أفريقيا وحيدتين إلى حين، حيث يرجح أن تتغير مواقف جنوب أفريقيا في حال انفرط عقد دول منطقتها جنوب القارة لصالح الوحدة الترابية المغربية، وذلك حتى لا تبقى معزولة، الأمر الذي سيقود بلاد الجنرالات إلى مصيرهم المحتوم: العزلة التامة داخل القارة السمراء!

وأمام هذا التغلغل المغربي متعدد الوسائل والأدوات، هذا دون التطرق للعديد من المجالات الداعمة، من قبيل الرياضة، تكوين الأئمة، بعثات حفظ السلام، تبادل الخبرات، المشارع العابرة للقارة (خط الأنبوب الغازي نيجيريا- المغرب، ومبادرة فك العزلة عن دول الساحل، ومبادرة إنشاء حلف جنوب الأطلسي)، وغيرها الكثير، كيف يمكن لنظام فاقد للشرعية ومنتهي الصلاحية أن يقاوم عبر افتتاح فرع لبنك جزائري في هذا البلد أو ذاك، وهم بالكاد اكتشفوا فوائد استخدام البطاقات البنكية في الدفع؟!!! ثم هل يمكن لهم التعويل أكثر على “سياسة الشيكات”، لاسيما مع تراجع أعداد الأنظمة “المعمرة” في القارة، وتداول السلطة من طرف قيادات شابة لا تفهم إلا لغة المصالح؟!

إن اعتماد الجزائر على مورد واحد هو النفط والغاز، لا يذهب منه شيء إلى دول القارة الأفريقية، كفيل بأن يحكم على “وهم” نفوذ “القوة الضاربة” أفريقيا بالاضمحلال والزوال، لاسيما مع تذبذب أسعار هذه المادة، وسوء إدارة ما يتأتى منها من موارد، ناهيك عن الطبيعة المغلقة للنظام السياسي والاقتصادي الجزائري، والتي تحكم على القطاع الخاص الجزائري بالمحدودية وعدم القدرة على مواجهة المد المغربي في القارة الأفريقية، مهما بالغ الرئيس تبون في “التطبيل” لزيادة صادرات بلاده “المزيفة” خارج قطاع المحروقات، واحتلال الجزائر المركز الثالث أفريقيا كأكبر قوة اقتصادية، فالأرقام المتوفرة لباقي دول وخبراء ومراقبي العالم تقول العكس تماما، وتحكم بالفشل المسبق على جميع “فذلكات” النظام العسكري الغبية!

ختاما، فالسبيل الوحيد للحفاظ على الموارد الجزائرية، وتعظيم استفادة الشعب الجزائري منها، هو سبيل التعاون الإقليمي أولا، عبر إعادة إحياء “اتحاد المغرب العربي”، حتى لو دانت ريادته للمغرب لسنوات مقبلة، فبدون هذه الوحدة المغاربية، سيبقى الهدر هو عنوان الجهود الخاصة بالثروات الجزائرية، ويحكم على التبادل التجاري والاقتصادي الإقليمي بالشلل.

اقرأ أيضا

النظام الجزائري يتمادى في تجاهل مواطنيه في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الامة!!

بقلم: هيثم شلبي في نظام يخلو من أي إثارة سياسية، تصبح المتابعة الشعبية لمستجدات حياته …

بالإجماع.. انتخاب المغرب رئيسا للدورة الـ57 للجنة الاقتصادية لإفريقيا ومؤتمر وزراء المالية والتخطيط

انتخب المغرب بالإجماع، اليوم الأربعاء بأديس أبابا، رئيسا للدورة الـ57 للجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة ومؤتمر وزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية الأفارقة.

الأرقام القياسية للقطاع السياحي تلفت الأنظار صوب وجهة المغرب

تلفت الأرقام القياسية التي حققها قطاع السياحة في الفترة الأخيرة، الأنظار صوب المملكة باعتبارها إحدى أبرز الوجهات السياحية بالعالم.