مكالمة من ماكرون تنزل النظام الجزائري عن شجرة “الأزمة المصطنعة” مع فرنسا!!

بقلم: هيثم شلبي

كما كان متوقعا، لم يستطع النظام الجزائري الاستمرار أكثر من ذلك في “مسرحية” النزاع مع فرنسا، وتكرار “عنترياته” السابقة مع إسبانيا، وتكفلت مكالمة هاتفية من “السلطان” الفعلي للجزائر، الرئيس إيمانويل ماكرون، بجعل النظام العسكري يسارع إلى إصدار ترجمة عربية ركيكة، للبلاغ الصحفي الذي صيغ في الإليزيه، تم نسخها على صفحة رئاسة الجمهورية على الانترنت، فيما شكل مفاجأة “مصطنعة” لكثير من المطبلين للنظام الجزائري، خارج حدود الجزائر!

بلاغ الرئاسة الجزائرية، الذي لا أدل على الاستعجال في إصداره من لغته العربية الركيكة، ونشره ثم حذفه بعد أقل من نصف ساعة، قبل إعادة نشره مرة أخرى بعدها بدقائق، رغم أنه لا يحمل أي طابع استعجالي! فالبلاغ عبارة عن موافقة جزائرية صريحة على “الأوامر” التي أصدرها “السيد” الفرنسي، بما في ذلك التعاون في ملف الأمن والهجرة (استقبال المرحلين من فرنسا الذين أعاد النظام بعضهم سابقا في مسرحية استعراضية مكشوفة)، والإفراج عن بوعلام صنصال الذي ورد في صيغة أن الرئيس ماكرون يثق في “بعد نظر” الرئيس تبون وإنسانيته التي ستدفعه إلى العفو عن صنصال نظرا لسنه وحالته الصحية! رحمة لا يثق الجزائريون أنفسهم بوجود أدنى قدر منها، عندما يتعلق الأمر بمعتقلي الرأي من حملة الجنسية الجزائرية، الذين لا ينعمون بمزاوجتها مع الجنسية الفرنسية!

باقي البلاغ كان مجرد إنشاء ولغو عديم المعنى والفائدة، وقد كتب من أجل أن “تتلهى” وسائل إعلام النظام الجزائري به، وتغض الطرف عن التنازل الرئيسي الذي كرسه البلاغ. فالحديث المكرور عن ملف الذاكرة ومتعلقاته، لا يحمل أي جديد، ولن يترتب عليه أي شيء ذي معنى، الآن أو مستقبلا، لأسباب أسهبنا في شرحها مرارا. وقد حمل البيان تاكيدا على المصالح الاقتصادية للبلدين (في حقيقتها هي مصالح فرنسية لا نظير جزائري لها)، كما بشر بقرب حل مشكلة التأشيرات لحملة الجوازات الدبلوماسية الجزائرية، والتي جعلت صراخ علية القوم في الجزائر يتعالى بألم، مما يؤكد أن الفرنسيين يحسنون إمساك النظام الجزائري من الأيادي التي تؤلمه!!

البيان، وكما كان متوقعا، لم يشر بكلمة واحدة إلى السبب الوحيد الذي جعل التوترات تتراكم بين البلدين (على حد وصف البيان)، وتحديدا اعتراف فرنسا بمغربية الصحراء، ربما لأن الرئيس تبون كان قد رفع “الراية البيضاء” في هذه النقطة تحديدا قبلها بأيام، عندما صرح لوسائل الإعلام المحلية أن الجزائر لا مشكلة لديها في الاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء!!

بهذا التراجع، يتكرس موقف النظام الجزائري “المتسامح والمتفهم” تجاه كل اعتراف جديد بمغربية الصحراء أو بحجية مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية (واللذان هما في نهاية المطاف شيء واحد)، بشرط صدوره عن بلد لا قبل لنظام الجنرالات بمواجهته، وهو ما رأيناه في الحالة الأمريكية، وتأكد في الحالة الإسبانية والألمانية، وتكرس كمبدأ مع الحالة الفرنسية. وفي هذا السياق، لم تقو الجزائر على الاستمرار في مناكفة دولة الإمارات العربية المتحدة، الحاسمة في تأييدها لمغربية الصحراء، وأجرى تبون مع رئيس الإمارات مكالمة “ودية” دافئة بمناسبة العيد! سلوك لا يتوقع أحد أن يكون هو نفسه في حالة قررت موريتانيا أو مالي مثلا التخلي عن حيادهما “النظري” في الموضوع، رغم علاقاتهما المتينة مع المغرب. لكن الطريقة التي سارعت فيها الجزائر للتراجع عن “غضبتها” على الموقف الفرنسي، سيكون لها ما بعدها!! حيث يتوقع أن تتزايد جرأة الدول الأفريقية تحديدا، ودول أمريكا اللاتينية معها، على مغادرة مواقع الحياد، والاعتراف الصريح بصواب الموقف المغربي وأحقيته في الدفاع عن وحدته الترابية، دون خشية مواجهة أي ردود فعل ذات قيمة من الطرف الجزائري!

على الصعيد الداخلي، فخسائر النظام بعد انقلاب مواقفه المخجل، وتراجعه السريع عن عنترياته، التي كان آخرها ما تفوه به إمام المسجد الكبير خلال صلاة العيد، وأمام الرئيس تبون نفسه، والتي لا تعدو كونها ترجمة لتعليمات أجهزة المخابرات التي تدير، بفشل منقطع النظير، جميع معارك النظام “الافتراضية”، وذلك قبل ساعات قليلة من مكالمة الرئيس ماكرون وبلاغ الرئاسة الجزائرية “الفضائحي”! إن هذا التخبط في المواقف، والطريقة العنترية التي يخوض بها النظام معاركه الخارجية، دون أن يحفظ خط الرجعة، بما يمكنه من المحافظة على بقية من ماء وجهه -إن كان هناك بقية- عندما يضطر حتما للتراجع دون تحقيق أي فائدة، ودون أن يلبي له خصومه أي مطلب؛ نقول أن هذه الطبيعة ستزيد من تدهور صورته في أعين مواطنيه، وتشجع تجرؤهم عليه، ورفعهم أصوات التهكم على قرارات ومواقف رئيسه وباقي جنرالاته. أما الإفراج المرتقب عن صنصال، وهو الذي شكك في ما تسميه الرواية الرسمية الجزائرية “ثوابت” وطنية، فلن يترك مجالا للتسامح تجاه البطش الذي يعرفوه معتقلو الرأي في الجزائر، والذين لم يقل أي منهم ربع ما قاله صنصال!! فكيف ستبرر أبواق النظام هذه “المعاملة التفضيلية” التي حظي بها صنصال، ويحرم منها باقي معتقلي الرأي الوطنيين؟!!

إن مستعمرا كفرنسا يملك كل هذا التأثير والسيطرة على دولة بحجم الجزائر، ولم يتخل يوما عن نفوذه فيها بعد سنواته ال 130 التي قضاها مستعمرا، و سنواته ال 60 التي قضاها مهيمنا وموجها للأنظمة المتعاقبة على حكم الجزائر، منذ أن قرر منحها “استقلالا صوريا”؛ نقول أن فرنسا بما تملكه من معرفة بخبايا الشأن السياسي في الجزائر، تدرك ولا شك التبعات الكارثية التي يمكن أن يجرها تراجع النظام الحالي عن خطاب الأزمة مع فرنسا. وبالتالي، فإقدامها على إنهاء الأزمة المصطنعة بين البلدين بهذه الطريقة لا يبررها سوى أحد احتمالين: إما أنها مطمئنة إلى أن القبضة الأمنية الوحشية للنظام كفيلة بالتعامل مع أي تبعات داخلية سلبية في أوساط المواطنين الجزائريين؛ أو أنها تدرك، أن هذا النظام منتهي الصلاحية منذ زمن بعيد، يعيش أيامه الأخيرة، وبالتالي فلا حاجة لإيجاد مخرج “مشرف” لهذه الأزمة، يحفظ ماء وجه النظام ويقوي مصداقية تهجم أركانه على فرنسا، والتي لا يثق بها عموم الجزائريين. بكلام آخر، قد يكون الإملاء الفرنسي الجديد الذي أنهى الأزمة المصطنعة، آخر مسمار في نعش النظام الجزائري الحالي، وقد يعجل بزواله بشكل مباشر أو غير مباشر!!

ختاما، فإن نظاما فاقد المشروعية الشعبية كالنظام الجزائري، لا يتوقع أن يتصرف بطريقة مغايرة لما يقوم به حاليا، من سياسات ارتجالية، وقرارات عبثية، لانتهاء صلاحية قياداته، وانعدام كفاءة عناصره، وذلك في مختلف الميادين الداخلية والخارجية. وعليه، فالترقب ينصب على متابعة الفضيحة الجديدة للنظام، الآتية لا محالة؛ أو القطرة التي ستفيض كأس صبر الناس، قبل أن يستأنفوا حراكهم الشعبي لكنس هذا النظام الجاثم على صدورهم بجميع تفاصيله، وإن غدا لناظره قريب!!

اقرأ أيضا

هل يملك النظام الجزائري فرصة لمواجهة “المد” الاقتصادي المغربي في أفريقيا؟!

بقلم: هيثم شلبي عجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بموجة من السخرية على فيديو …

للهلع مفاعيل… تبون يُشرِع أبواب الجزائر أمام ترامب

مشاهد 24 القيادة الجزائرية ضيَّقت على “عقلها الاستراتيجي” موارد تغذيته حين جعلت من حساسيته تجاه …

فرنسا تعتزم تسليم الجزائر قائمة بأسماء جزائريين تريد ترحيلهم

قالت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مصادر حكومية فرنسية، إن باريس تستعد لتسليم الجزائر قائمة بأسماء عدد من مواطني هذه الأخيرة، ترغب فرنسا في ترحيلهم إلى بلادهم.