أزمة النظام الجزائري الكبرى: كل الطرق تؤدي إلى إقفال ملف النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء!!

بقلم: هيثم شلبي

لقد شكل العداء للمغرب، ومعاندة وحدته الترابية عبر خلق ودعم مرتزقة البوليساريو، عقيدة للجنرالات الذين تناوبوا على حكم الجزائر، منذ استقلالها المزعوم بداية الستينات.

عقيدة كلفت موازنات الجزائر المتعاقبة عشرات، إن لم يكن، مئات المليارات على مدى الخمسين سنة الماضية، التي هي عمر هذا النزاع.

هدر لثروات الجزائريين لا يمكن الاستمرار في تبريره بذريعة “دعم حق الشعوب في التحرر وتقرير المصير”، لاسيما إذا انتهى هذا الأمر إلى أن يتقرر مصير الصحراويين داخل وطنهم الأم المغرب! حيث يتوجب ساعتها أن يجيب الجنرالات عن سؤال كل جزائري منهوب، عن الجدوى المتحققة من جراء خلق واستدامة هذا النزاع طيلة نصف قرن، طالما أن النتيجة ستكون لصالح المغرب في النهاية!!

ويحق لنا أن نتساءل هنا: ما الذي يجعل من أزمة النظام الأخيرة المتعلقة بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية “أم الأزمات”، والمرشحة لكتابة شهادة وفاة النظام برمته، دونا عن باقي الأزمات التي تحاصره من كل اتجاه؟!

الإجابة البسيطة على التساؤل السابق ينسجم بالضرورة مع حقيقة أن المأزق الأعظم لجنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، على مدى عمر النظام، كانت ولا تزال هي كسب المغرب للنزاع، هكذا بكل بساطة.

وحيث أنهم وصلوا لقناعة بأن جميع الطرق حاليا تؤدي إلى مغربية الصحراء، فإن حالة الرعب التي يعيشها الجنرالات ولا تخطئها عين تقول، بأن هذه اللحظة التي حاولوا تأجيلها والفرار منها على مدى العقود الستة الماضية قد أزفت!!

حقيقة لم يعد الإقرار بها مبنيا على تقلص خريطة الداعمين للبوليساريو نظريا إلى 28 دولة، وعمليا إلى 8 دول، من أصل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (193)!! والأهم أنه لا توجد من بينها دولة واحدة مؤثرة في الساحة العالمية.

كما أن الدول الكبرى المؤثرة عالميا أصبحت تقر بواقع بسط المغرب لسيادته على صحرائه، وهي الحقيقة التي تقر بها كذلك الأمم المتحدة ممثلة في هيئتها العليا، مجلس الامن، وهو ما نقرأه في جميع قراراته السنوية الخاصة بالموضوع منذ عقدين على الأقل، حيث تم التخلي عن كل ما سوى مقترح الحكم الذاتي من حلول لهذه القضية التي طالت أكثر مما ينبغي.

الاعترافات الدولية المتوالية، لا تزيد النظام العسكري في الجزائر إلا سعارا من جهة، وإقرارا بعجزه عن تغيير هذا الواقع من جهة أخرى. هذا العجز، هو الذي يفسر حالة العصبية التي تطبع جميع البلاغات الصحفية المعبرة عن مواقف مختلف مؤسسات السلطة الحاكمة في الجزائر، مدنية كانت أو عسكرية.

ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فإن مسار الأمم المتحدة الذي شهد قبل أيام، ما يمكن تسميته “المسمار الأخير” في نعش “القضية الصحراوية” بالفهم الجزائري، حيث تواترت الأنباء عن تبني الولايات المتحدة وفرنسا، مع مباركة بريطانية وغض طرف صيني وعدم ممانعة روسية، لمخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، كحل أوحد لهذه القضية، طالبة من الأمين العام وممثله الخاص العمل على تكريس هذا الخيار، بجعله واضحا دون التباس للجزائر ومرتزقتها، على أن يمنحوا فترة الشهور الستة المقبلة لمعرفة مدى تجاوبهم مع هذه الحقيقة، قبل الانتقال إلى مرحلة فرض هذا الخيار أمميا بقرار من مجلس الأمن، بحيث ينهي هذا الموضوع للأبد!

هذا الواقع الجديد الذي لا مجال لإنكاره أو تغطيته، بدا واضحا من الإحاطة التي قدمها دي مستورا إلى مجلس الأمن، وما رشح من معلومات عن الموقف الأمريكي الجديد، والمعبر عنه سواء خلال لقاء وزير خارجيتها ماركو روبيو مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، أو خلال لقاء مسؤولة كبيرة في الخارجية الأمريكية مع دي مستورا نفسه.

نفس الأمر ينطبق على الموقف الفرنسي، وهو ما صاغه في النهاية دي مستورا نفسه بطريقة صادمة للجزائر ومرتزقتها: خيار الاستفتاء انتهى رسميا وللأبد، وما هو مطروح هو الخوض في تفاصيل الحكم الذاتي الذي يعرضه المغرب ويباركه العالم، وإذا لم يبادر الجنرالات إلى القبول بهذا الواقع والنزول عن شجره رفضهم العالية له، سيتم فرضه بمباركة أممية، دون حاجة لا لرأي سلطات الجزائر ولا لوكلائهم من البوليساريو.

ومما يفاقم من أزمة النظام العسكري في الجزائر، أن هناك مسارين يؤديان بدورهما إلى نفس النتيجة: مغربية الصحراء. أول المسارات هو مسار طرد البوليساريو ممثلة في “جمهورية تندوف” من المنظمة القارية.

مسار لا يحتاج لأكثر من موافقة 37 دولة عضوا على تعديل ميثاق الاتحاد “المشوّه”، وحذف البند الفضيحة الذي نالت البوليساريو عضوية الاتحاد بناء عليه، بمنع نيل العضوية للدول غير المعترف بها من الأمم المتحدة، حتى لا يتم استخدام هذا البند، الذي يشكل بالمناسبة سابقة عالمية، لإدخال كيانات انفصالية تسيء للعمل الأفريقي وتعطل مسارات تعاون دوله.

لحظة “إجرائية” يبدو المغرب قريبا منها بشكل مدهش، بعد أن تقلصت قائمة “أعدائه” الأيديولوجيين إلى قرابة الست دول فقط، وصار التعاون مع باقي الدول هو عنوان علاقته به. ولعل إرجاع حق التصويت للدول الصديقة للمغرب، والمجمدة عضويتها بسبب تعرضها لانقلابات عسكرية (السودان، الغابون، غينيا، مالي، النيجر، وبوركينافاسو) يعجل بهذه اللحظة، التي تعتبر كابوسا لجنرالات الجزائر بأتم معنى الكلمة.

ثالثا المسارات الذي يجعل النوم يفارق جفون عسكر الجزائر، يتعلق بتصنيف مرتزقة البوليساريو كحركة إرهابية، من قبل الدول الكبرى المؤثرة، وهو الأمر الذي يجد صداه داخل أروقة الأمم المتحدة، ويحمل تأثيرات سلبية شديدة في اتجاهين: سلب البوليساريو مشروعية الحديث باسم جزء من الصحراويين، حيث ستتقوى حجة المغرب بأن هؤلاء الصحراويين المغاربة هم رهائن ومحتجزين من طرف جماعة إرهابية، وهم وممنوعون من العودة إلى وطنهم الأم، أما الاتجاه الثاني الأكثر سلبية فسيطال الجنرالات أنفسهم، لأنهم سيعتبرون في نظر معظم دول العالم ساعتها “كدولة راعية للإرهاب”، مع ما يرتبه ذلك عليهم من كوارث!

وفي هذا السياق، شرعت مالي فعليا في إجراءات تجريم النظام الجزائري بصفته راعيا للإرهاب، لأن دعمه يتجاوز مرتزقة البوليساريو إلى حركات انفصالية وجهادية أخرى في الصحراء الكبرى، ممن تكتوي بنيرانها دول متعددة في وسط وغرب أفريقيا.

وسواء جاءت نهاية البوليساريو بقرار من الأمم المتحدة، أم الاتحاد الافريقي، أم الدول العظمى، تبعا لأحد المسارات السابقة، فإن كارثة النظام العسكري في الجزائر هي نفسها، وعليهم منذ الآن الاستعداد لتلك اللحظة، بوضع إجابات لأسئلة المواطنين الجزائريين التي يعرفونها جميعا.

لكن، وإن جاز لنا أن ننصحهم، نطلب منهم أن لا تكون هذه الإجابات من نفس طينة الإجابات التي تحفل بها تصريحات الرئيس تبون وخطاباته، لأن بقاءهم صامتين دون رد، أفضل من ردهم بطريقة تبون!!

ختاما، فقد كان معلوما منذ البداية لأبسط الجنرالات فهما وإدراكا أن هذه اللحظة آتية لا ريب فيها ذات يوم، عندما تنتهي سردية نظام الجزائر التي قامت على كل ما هو معادي للمغرب ووحدته الترابية، حيث سينكشف للجزائريين حجم الخداع الذي تربوا عليه على مدى ستة عقود، تجاه جار شقيق لم يتنكر يوما لما يربطهما من وشائج قربى ودم وتاريخ ونضالات مشتركة.

جل ما نتمناه، أن تتم إدارة الحقائق الجديدة بطريقة تخفف الفاتورة عن المواطنين الجزائريين، وليس على شاكلة ما أدير به طموحهم للديمقراطية نهاية الثمانينيات (العشرية السوداء) أو الحراك الشعبي عام 2019!

اقرأ أيضا

داعمو مغربية الصحراء ينالون عضوية مجلس الأمن والجزائر تودع مقعدها

نالت خمس دول عضوية مجلس الأمن الدولي للفترة 2027/2026، خلال الاقتراع السري الذي أجرته الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس الثلاثاء.

رئيس حزب البناء الجزائري.. بيدق الجنرالات الذي اعتقد نفسه فارسا!

في الزاوية المظلمة من المسرح السياسي الجزائري، حيث تكتب النصوص الرديئة وتعاد مشاهدها المملة، خرج علينا رئيس ما يسمى "حزب البناء الجزائري" في وصلة جديدة من وصلات بيادقة الجنرالات الذين لا شاغل لهم سوى مهاجمة المغرب.

هل يلفظ النظام الجزائري أنفاسه الأخيرة تحت ركام أزماته المتلاحقة ؟!

يعيش النظام الجزائري هذه الأيام، فترة من أصعب الفترات التي مرت عليه منذ الاستقلال الصوري عن فرنسا، حيث تتوالى الأزمات من كل حدب وصوب، وما أن يضع أزمة ما جانبا، حتى يبدأ في مكابدة تبعات أزمة أخرى. وساهم في تفاقم هذا الواقع جملة من الأسباب الذاتية التي تعود لبنية النظام نفسه، وما تراكم فيه من اختلالات على مدى العقود الماضية، والموضوعية التي تتعلق بأطراف دولية وإقليمية، لم ينجح النظام حتى اليوم في ضبط علاقته بها، على مدى تاريخه كله.