بقلم: هيثم شلبي
في محاولة بائسة ويائسة، لوضع نوع من المقابلة والتكافؤ بين زيارة رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا للجزائر، وزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، اجتهد النظام الجزائري وإعلامه في “النفخ” في الزيارة التي رفعها لمصاف التاريخية، للحليف الجنوب أفريقي، وفتح للرئيس رامافوزا أبواب البرلمان بغرفتيه، للاستماع له وهو يدعم “نضال الشعب الصحراوي” من أجل تقرير مصيره!
وحتى لا يقال أن هذه الجملة هي الهدف الوحيد للزيارة، بالغ الإعلام الجزائري في الحديث عن “شراكة استراتيجية” بين البلدين الأفريقيين، ورغبتهما في تطوير علاقاتهما الاقتصادية، وتنسيق جهودهما من أجل تمتيع أفريقيا بمقعدين دائمين في مجلس الأمن. لكن، ما هي فرص ومجالات هذه “الشراكة الاستراتيجية” المنشودة؟!
بداية، يفضح إطار الزيارة (اجتماعات اللجنة الثنائية العليا للتعاون) كل ما يقال عن العلاقات “الاستراتيجية” بين البلدين. فاجتماعات اللجنة الثنائية التي ستعقد دورتها السابعة خلال زيارة رامافوزا الحالية لتبون، تأتي بعد قرابة عشر سنوات كاملة من الدورة السابقة!! نعم، عشر سنوات. حيث عقدت الدورة السادسة للجنة العليا في عام 2015!! فأي علاقات استراتيجية بين أي بلدين، تتكرس من خلال عقد اللجنة العليا بينهما مرة كل عشر سنوات؟!!
الهدف المعلن للزيارة، والذي ستتصدى له اللجنة العليا الثنائية، يتمثل في تطوير العلاقات الاقتصادية. لكن ما طبيعة العلاقة الاقتصادية القائمة بينهما حاليا، للحكم على آفاق تطورها؟ وهنا، نعود إلى آخر أرقام معلنة “شبه موثوقة” (حيث يحق لنا الشك في جميع الأرقام الصادرة عن النظام الجزائري بسبب طبيعتها الدعائية)؛ فماذا تقول أرقام عام 2022؟
تبلغ صادرات الجزائر إلى جنوب أفريقيا ما قيمته 26.6 مليون دولار، وهو رقم يمثل 0.04% من مجمل صادراتها (58.6 مليار دولار)!! صادرات تعتمد أساسا على سلعة واحدة -كعادة الاقتصاد الجزائري برمته- هي الأمونيا، والتي تمثل قرابة 80% من صادرات الجزائر لحليفها جنوب الأفريقي (21 مليون دولار).
أما واردات الجزائر من جنوب أفريقيا فهي أشد هزالا، إذ تبلغ 20.5 مليون دولار، او ما يعادل 0.06% من مجمل وارداتها (34.5 مليار دولار)!! وإن كانت الواردات أكثر تنوعا، وتتراوح بين المعدات (شاحنات النقل وقطع غيار الطائرات) بنسبة 40%، ومواد كيماوية تدخل في صناعة الورق بنسبة 20%، وتتفرق باقي النسب على واردات هامشية أخرى كالعنب (10%)!!.
هل هذه أرقام تبرر الحديث عن شراكة اقتصادية استراتيجية؟! ثم ما الذي سيتحقق إذا نجح الطرفان في مضاعفتها (أي رفعوها بنسبة 100%، وهو هدف خيالي)؟ سيصلان إلى رقم 50 مليون دولار لصادرات الجزائر، و40 مليونا لوارداتها؛ فأين الشراكة من هذه الأرقام؟!
أما حجة تنسيق الجهود من أجل مقعدي مجلس الأمن الأفريقيين، فهو شعار كاذب كسابقه. فشاغلا هذه المقاعد سيتم اختيارهما من طرف الاتحاد الأفريقي، حيث تتساوى قيمة صوت جنوب أفريقيا مع قيمة صوت سيشيل (أصغر الدول الأفريقية).
وعليه، وإدراكا من النظامين أن المغرب متفوق عليهما بشكل ساحق في أي تصويت، وأن علاقاته بالدول العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن، تجعله ضامنا لمقعد في مجلس الأمن، بل إن بإمكانه ترجيح كفة من يشغل المقعد الثاني، إذا أصبحت حصة أفريقيا مقعدين، فالأجدى هو التعاون مع قوة أفريقية كالمغرب، وليس معاداتها!!
لقد كان حريا بالطرفين، أن يعلنا بوضوح، أنه بسبب اقتصار الصادرات الجزائرية على المحروقات، وعدم وجود مواد مصنعة لديها يمكنها أن تصدر إلى جنوب أفريقيا؛ وبسبب ارتفاع كلفة الشحن من جنوب أفريقيا إلى الجزائر، وقرب تركيا والاتحاد الأوروبي من هذه الأخيرة، فإنه سيتعذر على البلدين التعويل على تحقيق قفزة تذكر على صعيد علاقتهما الاقتصادية، وعليه سيركزان على أهدافهما المشتركة على صعيد علاقتهما السياسية، والتي تكاد تقتصر على بند واحد: العداء للملكة المغربية!! كلا لأسبابه.
فالجزائر، تجد نفسها، بعد نصف قرن من اللعب بورقة مرتزقة البوليساريو لمعاندة الوحدة الترابية المغربية، أمام واقع صارخ يقول بأن هذه الورقة قد احترقت، ولم تعد قادرة على ستر عورة الجنرال شنقريحة ونظامه العسكري المتهالك.
وعليه، وبدلا من الاعتراف بالواقع، والعمل على أساسه، يجد شيوخ النظام -منتهي الصلاحية- أنفسهم مجبرين على الاستمرار في العناد، حتى لو دفع النظام برمته الثمن.
أما جنوب أفريقيا، التي يعلم أصغر مواطن فيها بأن أول من دعم نضالهم التحرري كان المغرب وملكه الراحل محمد الخامس، يختار حزبها الوطني الحاكم أن يستعمل ورقة الصحراء من أجل محاربة المنافسة المغربية على الريادة القارية.
فجنوب أفريقيا تدرك أن المغرب هو الطرف الأقوى أفريقيا، والذي يمكنه أن يشكل منافسا حقيقيا “لكبيرة القارة” سابقا، حيث إن نيجيريا (المنافس التالي) غارقة في مشاكلها الاقتصادية والأمنية، ومصر ابتعدت كثيرا عن لعب نفس الدور للأسباب الاقتصادية نفسها.
لكن الواقع يقول، أن هذا العداء جنوب الأفريقي للمغرب، ينهك هذا البلد ويفسد علاقته بمحيطه نفسه، الذي بدأت دوله تنسل من دعمها لمرتزقة البوليساريو، وتتقرب للمغرب؛ كما أنه يحتم تعاون المغرب ونيجيريا الذي لا قبل لجنوب أفريقيا بمواجهته، بينما كان التعاون مع المغرب، سيجعلها تقف في الجانب الرابح من المعادلة، وتجنب نفسها التعقيدات التي تترتب على معاداة الوحدة الترابية المغربية.
كخلاصة، تستمر الجزائر في سياق عدائها للمغرب، في إهدار مقدرات الشعب الجزائري، والتضحية بمزايا التفاهم مع المغرب وبناء كتلة مغاربية قوية، من أجل إشباع نزوات مرضية للممسكين بتلابيب النظام من شيوخ عجزة، وهو ما يبرر لها فتح خزائنها لجنوب أفريقيا وما تبقى من دول أمريكا اللاتينية التي لا تزال تعترف بالبوليساريو، ومغازلة إيران وسوريا، على أمل تأجيل لحظة الاعتراف “المدمرة” بالفشل أمام المغرب، وتقديم الحساب للشعب الجزائري، عن حصيلة نصف قرن من الهدر والجرائم!