استفاق أخيرا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من سباته بعد أن دق الاقتصاد الجزائري ناقوس الخطر، وباتت كل المؤشرات الاقتصادية تشير إلى دخول البلاد مرحلة لا تحمد عقباها.
وبالرغم التحذيرات المتكررة التي أطلقها عدد من السياسيين والخبراء الاقتصاديين خلال الثلاثة الأشهر الأخيرة من تفاقم الوضع مطالبين حكومة عبد المالك سلال بضرورة التعجيل في إيجاد حلول عملية لتجاوز الأزمة، أدرك الرئيس بوتفليقة حجم الأزمة التي تلم بالبلاد متأخرا ، حيث طالب حكومة سلال بإطلاع الشعب الجزائري على حقيقة الوضع الحالي.
وخلال ترأسه لمجلس الوزراء أمس الثلاثاء، دعا بوتفليقة الحكومة بضرورة قول الحقيقة للمواطنين، حيث صرح قائلا “السلطات العمومية مطالبة بأن توضح أكثر للسكان خطورة الوضع المالي الذي تمر به بلادنا على غرار كافة الدول الأخرى المنتجة للمحروقات، وكذا الطابع المنفرد عالميا لنفقاتنا العمومية الاستثمارية وتحويلاتنا الاجتماعية”.
ورغم موجة الانتقادات التي وجهت لحكومة سلال بخصوص السياسة التقشفية التي تنهجها منذ فترة من أجل معالجة آثار الأزمة الحالية وتصحيح الاختلالات المالية في البلاد، والتي يرى البعض أنها قد تخل بالوضع المعيشي للطبقات المتوسطة والفقيرة بسبب توجه الحكومة نحو فرض رسوم وضرائب جديدة وزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية، شدد بوتفليقة على حكومة بلاده بضرورة المثابرة على ترشيد النفقات العمومية و مكافحة التبذير.
وخلفت الإجراءات التقشفية أو “سياسة ترشيد النفقات” كما تفضل حكومة سلال تسميتها، انتقادات كثير من طرف المواطن الجزائري، المتضرر الأول من تقشف الحكومة، إلى جانب عدد من الكتل السياسية بالبلاد، من بينها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي دعا على تنظيم مسيرة في مدينة تيزي وزو من تنديدا بالمحاولات الترقيعية التي تنهجها الحكومة والتي تزيد من حمل المواطن البسيط.
وتأتي إشادة بوتفليقة بتقشف الحكومة لتطرح العديد من علامات الاستفهام بخصوص مدى دراية واطلاع الرئيس على تردي الأوضاع الاجتماعية في البلاد، والتي باتت تنذر بانفجار اجتماعي، خاصة مع مخاوف البعض من تكرار سيناريو أكتوبر 1988، والذي أدى إلى مأساة يشهد لها التاريخ الجزائري.
ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أن تسلسل الأحداث الراهنة، والتي دخلت على إثرها الجزائر مرحلة الخطر، تتشابه إلى حد كبير مع أزمة الثمانينيات، والتي ضربت الاقتصاد الجزائري بسبب انهيار أسعار المحروقات، التي كانت ولا تزال تشكل رئة الاقتصاد الجزائري.
تربيت بوتفليقة على كتف حكومة سلال بمواصلة استنزاف جيوب المواطنين لن يكون في صالح البلاد، حيث أكد محمد حديبي، القيادي في حركة النهضة الجزائرية في لقاء له مع موقع CNN بالعربية، أن بلاده تتجه نحو انفجار اجتماعي خطير، خاصة وحالة انعدام الثقة في علاقة الشعب بالسلطة.
وحذر حديبي مما تحمله الأيام القادمة، مشيرا إلى أن الجزائر صارت قاب قوسين من ثورة شعبية قد تكون أخطر من ثورة 1988، التي راح ضحيتها المئات من المواطنين فيما يزال مصير آلاف آخرين مجهولا.
ولعل السلطة في الجزائر لم تكتفي من سياسة الضحك على ذقون المواطنين، حيث دعا بوتفليقة الحكومة الجزائرية بضرورة التعجيل بترقية الطاقات المتجددة، وذلك من التصدي لنتائج الأزمة الاقتصادية، متناسيا أن مشاريع الطاقات المتجددة لن يكون بتلك السرعة والسهولة، حيث أن إنجاز مشاريع مماثلة يتطلب تمويلا قد يزيد من استنزاف أموال خزينة الدولة، هذه الأخيرة التيلم يمض الكثير على إلغائها لمشاريع تنموية أقل تكلفة بسبب التقشف.
وفي ظل جهل المواطن الجزائري بالوضعية الحقيقية التي تمر بها البلاد، التي يجمع البعض على دنوها من انهيار اقتصادي، خصوصا واستمرار تراجع أسعار المحروقات في السوق العالمية، يؤكد بعض المراقبون أن قانون المالية لسنة 2016 سيكون تقشفيا بامتياز، في إشارة إلى التخفيض الكبير الذي قد يطال ميزانيات عدد من القطاعات الحيوية.
إقرأ المزيد: الجزائر..قرارات غير حكيمة زادت من سوء الأزمة الاقتصادية
وفي انتظار ما ستسفر عنه الأزمة بالجزائر، يترقب الكل الوضع بحذر شديد مخافة انبعاث ثورة جديدة من تراكم نتائج تسيير السلطة الفاشل للشأن السياسي والاقتصادي بالبلاد.