بقلم: هيثم شلبي
بعد أن تناغم -رفقة لويزة حنون زعيمة حزب العمال- مع رغبة جناح المخابرات في النظام العسكري الجزائري، وهو ما اعتبر “مغازلة” لجنرالات فرنسا الأقوياء “وربهم” الجنرال توفيق، عاد عبد القادر بن قرينة الأمين العام لحركة البناء الوطني، إلى تقديم أوراق اعتماده للانتخابات الرئاسية المقبلة، مؤكدا لجنرالات بلاده جاهزيته للحلول مكان الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، في حال لم ينجح الجنرال شنقريحة في فرض التجديد له -على الرغم من عدم تحقيقه لأي إنجاز خلال ولايته الأولى- لعهدة ثانية، واحتاج الجنرالات لمرشح بديل!
ويبدو أن “الوزير” بن قرينة استمرأ ممارسة صلاحيات الوزير “المحتشم” أحمد عطاف، وخرج مرة أخرى معلقا على شأن خارجي جديد، بعد جولته “الاستعراضية” قبل أسابيع في المناطق الحدودية، حيث ارتأى التعليق على استدعاء وزير خارجية النيجر للسفير الجزائري في نيامي، مستعيرا قاموس بلاغات وزارات الخارجية، في بيان استهله بعبارة : “الحركة تلقت باستغراب”، وليقرر في فقرة لاحقة أن “حركة البناء الوطني تؤكد انه لا تغيير في سياسة الجزائر، بالتزامها الدائم بالمبادئ الأساسية التي توجه العمل الجماعي للدول داخل الاتحاد الأفريقي” وهو ما يبدو واضحا فيه التطفل والمزايدة على صلاحيات ومواقف الوزير “الضعيف” عطاف!
وحتى يبالغ في إرضاء جنرالات نظامه، اعتبر بيان “الجنرال” بن قرينة الاحتجاج النيجري على سلوك سلطات بلاده مبنيا على مجرد “افتراءات على الجزائر، بدعوى عمليات ترحيل لمهاجرين غير شرعيين من الجارة النيجر في ظروف غير مناسبة”، معربا عن أسفه لممارسة سلطات النيجر لما تتيحه لها الأعراف الدبلوماسية، لقرار الاستدعاء الذي اعتبره “غير مبرر”، هكذا بكل بساطة!! مضيفا بسذاجة مفرطة، أن حكمه على الشكاوى النيجرية بأنها مجرد افتراءات، يرجع إلى كون حركته “تتواجد في كل ولايات الوطن”!!
وتكرارا لنفس الأسطوانة المشروخة، بما يؤكد شرعية انتماء بن قرينة إلى نظام الجنرالات البائس، وينهي مراهنة بعض السذج على ما يعتبرونها “خلفية إسلامية” للرجل، اعتبر بيان حركة البناء أن استدعاء السفير الجزائري يأتي في سياق “حملة مغرضة تغذيها أطراف خارجية تهدف الى تعكير العلاقات الأخوية بين الشعبين”، ليكمل تطبيق المثل الشعبي بحذافيره ويختار أن “يعميها بدل أن يكحلها”، عندما هاجم بن قرينة نظام النيجر، واصفا ما يمر به هذا البلد “بالمحنة الصعبة”، التي ترتبت على “الانقلاب الأخير، في ظل غياب اي أفق للعودة الى الشرعية الشعبية”، كما لو أن نظام جنرالات بلاده يستند إلى الحد الأدنى من الشرعية الشعبية!!
واستمر بيان بن قرينة في استعارة لغة جنرالات بلاده، عندما ختم بأن “حركة البناء تحذر الدول المجاورة من ارتهانها لأي جهة او محور خارجي او كيانات وظيفية تدفعها لمغامرات أو استفزازات تمتحن بها حلم الجزائر او التلاعب بأمن المنطقة”، معتبرا أن التبعات السلبية لهذه الاستفزازات ستنعكس على دول الجوار قبل أن تنعكس على الجزائر.
وتبدو الصورة ضبابية تماما في بلاد العسكر لجهة مصير الرئيس تبون، ومن سيقف أمامه كمنافس، مع وجود أمرين مؤكدين: الأول أن العسكر وتوازنات القوى بينهم هي من ستختار الرئيس الجزائري المقبل، كما اعتادوا على ذلك منذ استقلال الجزائر “الصوري” عن فرنسا، والثاني -الذي يترتب على الأول- يتعلق بتوقع مقاطعة الغالبية العظمى من الجزائريين لهذه الانتخابات التي لا تعنيهم، سواء في مناطق القبايل التي تقترب فيها نسبة المقاطعة من 100 بالمئة، أو في غيرها من الحواضر والمدن الكبرى 0نسبة مقاطعة تتراوح عادة بين 70-80 بالمئة).
وعليه، يبدو صراع تبون- بن قرينة، والذي يعبر عن صراع شنقريحة- مهنا، حدثا لا يعني الشعب الجزائري، بل يهم الجنرالات وسبل الحفاظ على مصالحهم المادية، عبر إحكام قبضتهم على جميع مفاصل السلطة.
وهكذا، فبين منطق شنقريحة الذي يدعم استمرار رئيس فاشل بدون كاريزما يستطيع العسكر التلاعب به كما يشاؤون، مع المغامرة بتجدد الحراك الشعبي ضده نتيجة ازدياد تدهور أوضاع المواطنين المعيشية؛ وما بين منطق مهنا، وبالأساس سيده وولي نعمته توفيق، الذي يرى بضرورة التجديد الدائم للوجوه المدنية التي تسكن المرادية (لا سيما مع وجود وفرة منهم تعتبر صنيعة للجنرال توفيق، على الرغم من وضعها في معسكر المعارضة)، ولا يهم إن كان لديهم بعض الكاريزما، على اعتبار أنه السبيل الأفضل لاستمرار شراء الوقت، وجعل قطاع كبير من الجزائريين في حالة “رهان دائم” على أن يجلب تغيير الوجوه تحسينا ملموسا لحياتهم اليومية؛.
قلنا، ما بين هذين المنطقين توجد الجزائر اليوم، وستبقى كذلك طالما لم يتجدد حراك الشارع، بتصميم أكبر هذه المرة، حتى يتم كنس الجناحين معا، واسترجاع بلادهم حرة من بين أيدي الجنرالات وسادتهم!.