يبدو أن الجزائر باتت على مشارف أزمة اقتصادية خانقة، بعد أن خذلتها عائدات النفط، والتي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الجزائري، في وقت يرى البعض أن البترول مجرد شجرة تخفي غابة الخلل العميق الذي تعاني منه البلاد، والتي عجزت في أكثر من مناسبة على خلق اقتصاد بديل.
اقتصاد الجزائر يعاني اليوم من مشاكل حقيقية انعكست آثاره على المواطنين. ورغم المحاولات الترقيعية التي تنهجها حكومة سلال منذ فترة من أجل الخروج من الأزمة بأقل الأضرار، إلا أن الوضع ينذر بمزيد من الخسائر على عدة مستويات.
ورصد المراقبون للشأن الجزائري سلسلة من القرارات والسياسات الاقتصادية غير العقلانية وغير الحكيمة التي تكشف عن سوء تدبير القطاع الاقتصادي بالبلاد، ما من شأنه أن ينعكس سلبا على الميزانية الجزائرية.
اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي
تعد اتفاقية الشراكة الجزائرية الأوروبية، والتي تنص على خلق منطقة تجارة حرة بين الطرفين، من مظاهر سوء التدبير الاقتصادي. فبعد خمس سنوات من المفاوضات، تقرر توقيع الاتفاقية بين البلدين في 2005 على أساس أن تدخل حيز التنفيذ في 2017.
اتفاقية وضعت عليها الجزائر آمالا كبيرة من أجل العودة للساحة الدولية، وضمان مكانتها “بين الأمم” في وقت كانت قد مرت سنوات قليلة على مرحلة “العشرية السوداء”، إلا أنه وفي سنة 2012 قرر الاتحاد الأوروبي تأجيل العمل بالاتفاقية إلى غاية سنة 2020، على أمل أن تتوفر الجزائر على شركات اقتصادية تنافسية خلال السنوات القادمة.
رغم مرور ثلاث سنوات، لم تستفد الجزائر من قرار التأجيل، من أجل جعل تحسين تنافسية اقتصادها ومردودية شركاتها ، حيث أنه لم يحدث أن تحسن خلال هاته الفترة. فوضعية الشركات الجزائرية ما تزال سيئة لدرجة يلزم معها 20 سنة من أجل حل مشاكلها، وهو ما ينطبق أيضا على عدد من القطاعات الاقتصادية التي تحتاج إلى إصلاح على رأسها القطاع الفلاحي .
مشاريع بنية تحتية كان مصيرها الفشل
من بين القرارات التي تعاتب عليها الحكومة الجزائرية، هو انفاق الملايير من الدولارات على مشاريع تنموية خاصة بالبنية التحتية دون أن تكلل بالنجاح.
فمع الطفرة النفطية وتمكن الجزائر من توفير عائدات مهمة من صادرات البترول، قررت الحكومة الجزائرية حينها إطلاق العديد من مشاريع البنية التحتية، وفي حين اقترح عليها تنفيذ هذه المشاريع بتعاون مع المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي بحيث تستفيد من مساعدات بنسب منخفضة، إلا أنها قررت إدارة ظهرها لهذا المقترح وقررت المضي في هذه الأوراش لوحدها.
كان قرار المسؤولين الجزائريين في غير محله، على اعتبار أن الحكومة الجزائرية كانت غير جاهزة كفاية لإدارة مثل هذه المشاريع الضخمة، إلى جانب ذلك فغياب الدراسات الميدانية والتأخير الذي طال بعض المشاريع مثل مشروع الطريق السيار شرق غرب، إضافة إلى ضخ بعض الأموال لصالح دوائر الفساد، عجل بالحكم على هذه المشاريع بالفشل.
تطبيق قاعدة 51/49% في جميع القطاعات
كان قرار أحمد أويحيى سنة 2009، والذي ينص على محافظة الجزائر على نسبة 51 بالمائة من حصة الشراكة مع الشركات الأجنبية، غير صائب، والذي عوض أن يعود بالنفع على البلاد، تسبب في ابعاد المستثمرين الأجانب عن السوق الجزائرية، في وقت بات من المستبعد اهتمام هؤلاء بالاستثمار داخل الجزائر مع الأزمة التي تعيشها اليوم.
إعادة شراء Djezzy مشغل شبكة الجزائر للمحمول
من بين مظاهر اللاعقلانية في القرارات الحكومية بالجزائر، هو إعادة شراء هذه الأخيرة لمشغل شبكة المحمول Djezzy، في وقت لم يعد فيه المشغل قادرا على مواكبة التطور السريع في صناعة الهواتف النقالة، خاصة مع ظهور الجيل الثالث للأنترنيت.
وأنفقت الحكومة الجزائرية ما يقارب الـ 4 ملايير دولار من أجل الاستحواذ على نسبة 51 بالمائة، حيث كانت تأمل أن ستفيد من نسبة أرباح سنوية قدر ب200 مليون دولار في السنة، 102 مليون منها لصالح الجزائر، إلا أن حسابات هذه الأخيرة لم تكن في محلها.
إقرأ المزيد: الجزائر..محاولات جديدة لاحتواء الأزمة الاقتصادية وخبراء يصفونها بغير الكافية
وقف مسلسل الخوصصة
يعد قرار منع الخوصصة من القرارات الخاطئة التي نهجتها الحكومة الجزائرية، والتي كانت لتعود عليها بأرباح مهمة خلال الفترة الحالية، حيث أن القرار تسبب في فشل العديد من الشركات على غرار شركة حجار للصلب، نظرا لافتقار الحكومة للخبرة في تسيير مثل هذه القطاعات الحيوية.
تحكم المجلس الوطني للاستثمار
يشكل المجلس الوطني للاستثمار عاملا آخر يقف أمام الاستثمار بالجزائر، حيث يلزم المجلس، الذي يترأسه الوزير الأول، كل الاستثمارات التي تفوق 15 مليون دولار، المرور عبره من أجل دراسة الاستثمارات، إلى جانب المصادقة عليها أو رفضها.
جهاز يعمل وفق مبادئ بيروقراطية، يعرقل هو الآخر فرص الاستثمار بالجزائر التي تنوي التنويع من اقتصادها، والتحرر من عائدات النفط.