لم يتفاجئ كثير من مراقبي الأوضاع السياسية بالجزائر من خبر إحالة الجنرال محمد مدين المعروف بـ “توفيق” على التقاعد، حيث أن موجة التعديلات التي عصفت بجهاز الأمن والمؤسسة العسكرية كان ينذر بدنو أجل الجنرال توفيق من على رأس دائرة الاستعلامات والأمن.
وحسب الخبير السياسي الجزائري رشيد غريم، فقد كان قرار محيط الرئيس عبد العزيز بوتفليقة متوقعا ومنتظرا، نظرا لكونه “التتمة المنطقية” لمسلسل الإقالات في صفوف مسؤولي النظام التي سارت على إيقاع سقوط قطع الدومينو واحدا تلو الآخر.
كانت تنحية مدين من على رأس المخابرات العسكرية، أو “إحالته على التقاعد” كما تفضل الصحافة الجزائرية الموالية للنظام وصف القرار، نتيجة طبيعية لإضعاف الرئاسة لمنصب الرجل، والذي صار أقرب إلى القوقعة الفارغة بسبب تقليص صلاحيات جهازه المتتالية وإلحاقها بمهام أركان الجيش بقيادة الجنرال أحمد قايد صالح.
وشكلت تنحية مدين، “رب الجزائر” كما وصف على مدى سنوات طوال، القطعة الأخيرة من أحجية إحكام محيط بوتفليقة قبضته على دواليب السلطة بالجزائر، وتأكيد هدف 1999، والذي كشف من خلاله بوتفليقة رفضه لفكرة أن يكون مجرد “ثلاث أرباع رئيس”، بل يسعى إلى الإمساك بخيوط الحكم كاملة.
ويؤكد رشيد غريم أن العد التنازلي لأيام مدين على رأس دائرة الاستعلامات والأمن ابتدأت مع توجيه عمار سعداني، الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر، مجموعة من الاتهامات إليه، والتي أشار فيها إلى مسؤولية جهاز الجنرال توفيق بخصوص عدد من الأحداث كان أبرزها تعرض بوتفليقة لمحاولة اغتيال في 2007.
اتهامات كانت كافية من أجل ضمور الهالة المقدسة التي طالما أحاطت بالجنرال توفيق، أحد أبرز رجالات النظام الجزائري، تدريجيا إلى حين قرر محيط الرئيس تنحيته عن المشهد السياسي وتنصيب اللواء عثمان طرطاق محله.
ويضيف الخبير السياسي أن تخلص محيط بوتفليقة من “صانع الرؤساء” لم يأتي من عدم، وإنما العلاقة الحميمية التي جمعت الرئيس بمدين على مدى سنوات، والتي يعتقد البعض أنها أثمرت تنصيب بوتفليقة على كرسي الرئاسة لـ 3 ولايات متتالية بمساعدة من الجنرال توفيق، لم يكتب لها أن تستمر كما ابتدأت، حيث أن الصراع الذي طبع علاقة الرئاسة بجهاز المخابرات العسكرية عجل بإنهاء مسار مدين وإبعاده عن دواليب الحكم.
ويؤكد رشيد غريم أن صراع بوتفليقة ومدين لم يحل دون انتقام محيط الرئيس وتصفية حساباته مع الجنرال توفيق، وذلك من أجل حماية مصالح الرئاسة بشكل أساسي.
وتعليقا على ما يروج حول خلفية تنحية الجنرال توفيق عن منصبه، والتي تشير إلى سير البلاد نحو إعادة بناء دولة مدنية، أكد الخبير السياسي أن الجزائر بعيدة كل البعد عن التحول إلى دولة ديموقراطية، حيث أنه على مدى 3 ولايات لبوتفليقة، لم يتطلع هذا الأخير ولا محيطه إلى خلق دولة مدنية، ولن يفعل في الأيام المقبلة.
وأضاف رشيد غريم أن الديموقراطية مجرد مصطلح فارغ من المعنى في قاموس بوتفليقة، مؤكدا أن موجة الإقالات التي شهدتها البلاد، ومسلسل إضعاف الجهاز الاستخباراتي جاء من أجل تحقيق مصالح المحيط الرئاسي في إحكام قبضته التامة على السلطة فحسب.
إقرأ أيضا:الرئاسة والمخابرات الجزائرية..علاقة موسومة بالصراع
وفي حديثه عن الأسماء التالية على لائحة الإقالات، توقع رشيد غريم أن يعمل محيط الرئيس على تنحية أحمد قايد صالح من منصبه على رأس أركان الجيش، إلى جانب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، في وقت استبعد أحمد أويحيى والذي وصفه بـ”عميل محيط الرئيس” الذي ينفذ الأوامر دون تأخير.