تنذر التقلبات التي يعرفها سوق النفط العالمي، وعدم ثبات سعر البرميل، باختلالات كبيرة على مستوى الأسواق المالية والاقتصادات الدولية، خاصة بالدول المنتجة والمصدرة لهذه المادة الحيوية.
ولعل انخفاض سعر البرميل إلى النصف مطلع السنة الجارية، والذي وصل معه سعر البرميل الواحد إلى أقل من 50 دولارا بعد أن كان سعره يقدر بـ 110 دولار، يرجع أساس إلى عدة أسباب أهمها الانكماش في الطلب العالمي، وذلك بسبب المشاكل التي شهدتها الاقتصادات الصناعية الأوروبية والآسيوية، لاسيما في الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم.
إلى جانب ذلك، طرح الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم في 14 من شهر يوليوز المنصرم مشكلة حقيقية أمام الدول المنتجة للنفط بسبب توقع عودة قوية للنفط الإيراني بعد غيابه عن السوق الدولية بسبب العقوبات التي فرضت على طهران على خلفية برنامجها النووي.
وعلى غرار الدول الأعضاء بمنظمة “أوبك”، تخشى الجزائر من التبعيات الخطيرة التي قد يخلفها استمرار انهيار أسعار النفط، الذي يعتبر رئة الاقتصاد الجزائري، خاصة وأن مؤشرات تقرير البنك المركزي الجزائري الصادر الأسبوع المنصرم تنذر بتجاوز البلاد الخطوط الحمراء ودخولها منطقة الخطر الحقيقي.
يبدو أن الأزمة الاقتصادية التي تعرفها الجزائر اليوم، تعيد مشهد أزمة التسعينيات إلى الواجهة، والتي كبدت الاقتصاد الجزائري جملة من الخسائر، كان أبرزها سقوط البلاد في دوامة الاقتراض التي أنهكت خزينة الدولة على مدار سنوات طوال، ما دفع العديد من الشخصيات السياسية في الجزائر لدق ناقوس الخطر ومطالبة حكومة عبد المالك سلال بالتسريع في إيجاد حلول عملية للخروج من عاصفة الأزمة بأقل الأضرار.
وكان من أبرز مؤشرات تأزم الوضع الاقتصادي، التقرير الأخير الذي أصدره البنك المركزي والذي أكد أن حجم صادرات البلاد من الطاقة انخفض إلى النصف خلال السداسي الأول من السنة الجارية، إضافة إلى العجز الذي عرفه الميزان التجاري والذي قدر بـ 8.041 مليار دولار خلال نفس الفترة.
ولم يقتصر الخلل الذي تعرفه الجزائر على الإيرادات وعجز الميزان التجاري فحسب، وإنما شمل جوانب أخرى من بينها العجز الحاصل في “صندوق ضبط الإيرادات” الجزائري، والذي يعنى باحتياطات البلاد من العملة الأجنبية، حيث عرف هو الآخر انخفاضا مهولا في الفترة الممتدة بين نهاية 2014 وشهر يونيو من السنة الجارية، والذي تراجع بمعدل 34,24 مليار دولار، ليستقر عند حدود 159,03 مليار دولار.
هذا ومن المرتقب أن يستمر الاحتياطي في الانخفاض، ما يشكل قلقا بالنسبة للجزائر، خاصة مع عدم استقرار أسعار البترول في السوق العالمية.
وإلى ذلك، انضاف الانخفاض الذي شهدته العملة الوطنية، والتي وصلت خلالها إلى أدنى مستوياتها منذ الاستقلال، لتصنف بذلك على قائمة العملات “الأرخص” عالميا من حيث قيمة العملة في سوق الصرف.
وانخفض الدينار الجزائري بنسبة 22 بالمائة مقارنة مع الدولار الأمريكي، خلال السداسي الأول من السنة الجارية، والتي حسب المراقبين الاقتصاديين بات من الصعب تحويلها إلى العملات الصعبة العالمية، خاصة وأن دينارا جزائريا أصبح يقابل 0.02 دينار تونسي فقط، وفي وقت يقابل دينار جزائري 0.10 درهم مغربي.
وفي الوقت الذي يحذر فيه الخبراء الاقتصاديون من تداعيات ما يحمله استمرار تهاوي قيمة العملة الوطنية، يؤكد البنك المركزي أن هذا الانخفاض سيساعد على امتصاص نتائج انخفاض اسعار النفط الدولية.
ولا ينحصر تأزم الوضع الجزائري عند هذا الحد، بل تسير البلاد اليوم بخطوات سريعة نحو تزايد حجم التضخم في اقتصادها الوطني، والذي أكدت المؤسسة البنكية أنه سجل “أكبر زيادة سنوية منذ 21 شهرا”، حيث قدر حجم التضخم في شهر يونيو المنصرم بـ 4,97 %، مقارنة بـ 1,6 % في شهر سبتمبر من السنة الماضية.
وينضاف انخفاض السيولة البنكية إلى قائمة المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري، حيث انخفضت بشكل كبير خلال السنة الجارية لتصل إلى 2 104,96 مليار دينار جزائري في شهر يونيو المنصرم، مقابل 2 730,88 مليار دينار في نفس الفترة من العام الماضي. ويرجع هذا التدني الكبير في حجم السيولة بالبنوك الجزائرية إلى تراجع ودائع قطاع الطاقة بالبلاد نظرا لتراجع عائدات النفط.
وفي ظل هذه المشاكل، تحاول الحكومة الجزائرية التصدي لتداعيات الأزمة الحالية بسن مجموعة من القرارات، لعل أبرزها السياسة التقشفية التي تفضل الحكومة نعتها بسياسة ترشيد النفقات.
غير أن البعض يرى في هذه السياسة محاولة لتفقير الشعب من قبل حكومة عاجزة عن إيجاد حلول عملية ومستعجلة لاحتواء الوضع، حيث تكتفي بمواجهته عبر جملة من خطابات التطمين والمحاولات الترقيعية لسد ثغرات الأزمة.
إقرأ المزيد:الجزائر..أزمة اقتصادية ترخي بظلالها على بلاد بمستقبل مجهول
ويؤكد بعض المراقبين أن الوضع الاقتصادي في الجزائر، ومع تماطل حكومة سلال للتعجيل بتدارك الوضع، ينذر بعودة البلاد إلى دوامة الاستدانة الخارجية، وهو الأمر الذي قد يدخل البلاد في حالة احتقان اجتماعي لا يعرف إلى أين قد يصل مداه.