تكالبت الأزمات على الجزائر على ما يبدو. ففضلا عن الأزمة السياسية التي تمر منها البلاد في ظل وجود رئيس عاجز وحكومة ظل تتصارع مع ما تبقى من جيوب مقاومة داخل مؤسسة الجيش وغياب معارضة سياسية قوية، تسير البلاد بخطى حثيثة نحو أزمة اقتصادية خانقة.
في قلب هذه الأزمة يوجد الشريان الذي يتنفس منه الاقتصاد الجزائري: النفط. فبالرغم من أن الوضع الحالي سيء للغاية في ظل انخفاض أسعار البترول إلى أقل من 50 دولار للبرميل الواحد، لا تلوح في الأفق معالم تحسن قريبة. فتقديرات البنك الدولي تتوقع أن يستقر سعر البرميل في 40 دولار، وهو رقم قريب من السعر المرجعي للبرميل الذي حددته الحكومة الجزائرية في قانون المالية الأخير، والمحدد في 37 دولار.
على المستوى النقدي واصل الدينار الجزائري سقوطه المدوي بعدما تجاوز تداوله لأول مرة عتبة 100 دينار للدولار الواحد. أما احتياطات الدولة من العملة الصعبة فهي بدورها في تراجع مستمر، ما يهدد باستنزافها بسرعة أكبر من المتوقع.
وتقول مصادر إعلامية أن “صندوق ضبط العائدات” (صندوق ضبط الإيرادات) FRR، خسر أزيد من 1000 مليار دينار منذ مارس 2014، في الوقت الذي تشير فيه المعطيات إلى أن نزيف الصندوق مرشح للاستمرار وبالتالي خسارة ما تم جمعه إبان الفورة النفطية.
هذا الوضع يتفاقم في ظل ضعف الإنتاج المحلي وعدم قدرة المنتوجات الجزائرية، على عكس ما كان يعتقد البعض، على منافسة البضائع المستوردة إما لافتقادها للجودة أو للتنافسية على مستوى الأثمنة، مما يجعل الجزائر محكومة بالاستيراد بكثافة حيث تصل كلفة الواردات 60 مليار دولار سنويا.
ضعف الإنتاج المحلي يوازيه اعتماد كلي على القطاع النفطي كمحرك للاقتصاد الجزائري، وهو خيار أثبت فداحته من الناحية الاستراتيجية وأصبح محل انتقاد واسع مؤخرا بسبب ظهور تبعاته الاقتصادية المكلفة، ما يجعل أن البلاد خسرت منذ سنوات رهان تنويع الاقتصاد وعدم جعله رهينة تقلبات أسعار النفط في الأسواق الدولية.
فالفلاحة الجزائرية غير متطورة والسياحة شبه منعدمة أما قطاع الخدمات فلا يزال ضعيفا. وباستثناء النفط والغاز تبقى صادرات الجزائر من المواد الأخرى دون المستوى المطلوب.
بيد أن المشكل المطروح هو أنه حتى لو أرادت الدولة الانخراط في ورشة تنويع مصادر الاقتصاد الجزائري، يجمع المراقبون أن هذه العملية ستتطلب سنوات من العمل.
الاستثمارات الأجنبية بدورها ما تزال دون المستوى بسبب البيروقراطية السائدة في البلاد وغياب تحفيزات من قبل السلطات للشركات الأجنبية التي يفضل بعضها مثلا، كما هو الحال مع قطاع السيارات، الاستثمار في المغرب بسبب وجود مناخ أفضل للأعمال.
إقرأ المزيد: عـودة النفط الإيراني قد يؤزم وضعية الاقتصاد الجزائري
إلى جانب كل هاته المعيقات، توجه انتقادات إلى السلطات الجزائرية بافتقادها للأفكار والجرأة للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية من أجل وضع الاقتصاد الجزائري على السكة الصحيحة وإخراجه من عنق الزجاجة.
ويتساءل البعض إذا ما كان استمرار غرق الجزائر في مستنقع الأزمة الاقتصادية، فضلا عن الضبابية التي تطبع المشهد السياسي، من شأنه أن يعرض هذا البلد إلى هزات تم تجنيبه إياها مع اندلاع انتفاضات الربيع العربي لا لشيء إلا لأن صور العشرية السوداء ما تزال حاضرة في أذهان الجزائريين.