قوة الرئيس.. ومرض كل شيء!!

كتبت في مقال سابق أقول “ألم يحن وقت حل إشكالية السلطة والشرعية؟ وهل من المعقول الاستمرار في احتكار القرار من رئيس أو عصبة أو حتى من عصب نافذة في الجيش أو في المخابرات؟ لهذا أقول، وبكل منطقية، العهدة الرابعة كارثة على البلاد. لأنها تعني أن حل مشكل السلطة مؤجل، وإن كان حل مشكل السلطة مؤجلا فذلك يعني أنه ليس هناك وفاء بوعد الإصلاح الذي تكرر في عدد من كلمات الرئيس منذ أفريل 2011، ويعني أن النظام غرق في وضعه المهترئ، وهو يغامر بالحلول التي تؤكد الركود لأنه لا يملك القدرة أو لا يملك الرغبة أو يتصور أن لا شيء يزعجه ولا طلب اجتماعي سياسي قوي على التغيير والإصلاح. تلك مغامرة ومراهنة ومقامرة”.
نعم ما جرى وما يجري لعب بالنار، وهي نار لن تحرق بعضا من السلطة بل كل السلطة، وربما كل الدولة، الراضي منها بهذا الوضع وغير الراضي والساكت والمناور. اليوم الحكم يعرف أن الانسداد الذي أوصل إليه البلاد ينذر بالكارثة والطامة الكبرى، ويدرك الكثير اليوم أن حصر القرار بيد عصبة ضيقة وإقصاء كل الجزائريين جعل الدولة تعيش مواجهة عصب السلطة بعضها لبعض، وجعلهم أسرى جماعات الفساد أو تُبَّعا، وجعلهم بلا سلطة أمام الداخل والخارج.
يجزم الكثير اليوم أن جماعات العهدة الرابعة “انتصرت على الدولة” بل صارت هي الدولة. ذلك كان واضحا منذ 2008 يوم تم التلاعب بالدستور، وكان واضحا يوم إعلان نتائج التشريعيات السابقة، نعم اليوم تأكد بوضوح أن الكثير من السلطة انتقل بتواطؤ ومباركة الكثيرين داخل السلطة وخارجها، إلى جماعات الفساد وجماعات الشكارة والرداءة.
يقال اليوم إن الرئيس وصل في حكمه مستوى من الهيمنة على أدوات القرار إلى ما لم يكن لغيره من الرؤساء، ولكنه للأسف يضع ذلك بيد “حلفاء” سياسيين وغير سياسيين وفي خدمتهم. نعم تلك تحالفات غريبة فعلا. لماذا، وهو الذي بيده كل هذه السلطة، لم يجد غير أولئك الأشخاص ليستند إليهم في ممارسة حكمه؟ إنهم لا يضيفون إلى سلطته شيئا غير الولاء الرديء ولا يقدمون لحكمه غير مزيد من الطعن في الشرعية وفي الأحقية السياسة. هؤلاء برأي الكثيرين لا يمكنهم لا ربح معركة شرعية الصندوق بالعمل السياسي ولا على الأقل ربح معركة “الإنجازات”.
لكن ينبغي القول: القوة والضعف في السياسة مسائل نسبية وظرفية، وقوة الحكم والسلطة في الحالة التي أمامنا تبدو بوضوح في غير صالح الدولة، بل هي قوة لصالح حكم ولصالح سلطة أو بعض من السلطة، عصبة فيها أو مجموعة. والقوة التي لا تقوم على شرعية أكيدة غير مطعون فيها لا سياسيا ولا اجتماعيا، لا داخليا ولا خارجيا، هي قوة لمجموعة وليست قوة للدولة.
إن ما وصلته هذه السلطة من هيمنة لا نراه ينعكس في التعامل مع المشاكل المطروحة على البلاد، وقد نتذكر ما جرى ويجري في غرداية وما جرى في تڤرت، وعجز السلطة عن تسوية من دون مواجهة ودماء وإزهاق أرواح، فضلا عن الفشل في تسوية مشاكل جمة وفي الوفاء بالوعود السياسية والاجتماعية. لقد رأينا أن التصرف يأخذ دائما الأدوات نفسها، علاج أمني أو حل بـ “الترضية” باستخدام الأموال العامة والأملاك العامة. وواضح أن “تقنية الترضية” مأخوذ بها في التعامل مع مطالب الداخل ومع ضغوط الخارج ومع سكوته.
حكم منفرد قوي للرئيس ولمقربيه وهيمنة شبه كاملة على أدوات السلطة والنفوذ، خاصة النفط والخزينة العامة والتجارة الشرعية وغير الشرعية، مقابل حكومة ضعيفة، بل يقول البعض إنها أضعف حكومة في تاريخ البلاد، أموال طائلة ولكن نتائج اقتصادية هزيلة، مع استشراء الفساد وهيمنة المال الفاسد على الحياة التجارية بالخصوص وعلى الإدارة والسياسة.
نعم قوة السلطة كانت دائما ضعفا للدولة. واليوم صار الطرف الوحيد القوي هو هيمنة الرئيس على جل أدوات السلطة، وعلى الرغم من كل هذا إلا أن سلطته تستند لحكومة ضعيفة وإلى أشخاص قليلو الكفاءة يحتمون من الرداءة واللاكفاءة بالولاء، وتستند لأجهزة لم تعد قادرة على حماية القانون أو العمل في إطار القانون. ولست أدري إن كانت الهيمنة على هشاشة المؤسسات وعلى الرداءة الجارفة بإغراءات المال والمصالح قوة؟!

*كاتب جزائري/”الخبر” الجزائرية

اقرأ أيضا

الصحراء المغربية

منزلقات تأويل موقف روسيا من المينورسو

أثار التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي بخصوص التمديد لبعثة المينورسو جدلا كبيرا في مختلف …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *