ماذا استفادت الجزائر من عضويتها في مجلس الأمن.. قضية الصحراء نموذجا؟!

بقلم: هيثم شلبي

كما كان منتظرا، مدد مجلس الأمن ولاية بعثته “المينورسو” عاما كاملا حتى نهاية أكتوبر 2025، وجدد التأكيد على جملة من الثوابت “الأممية” بخصوص هذا النزاع المفتعل، دون أن يلقي بالا “للألعاب البهلوانية” لمندوب الجزائر في مجلس الأمن، والتي تثبت مدى “الهواية” التي تطبع عمل دبلوماسيي الجزائر عامة، وانفصامهم الشديد عن الواقع، وتخلفهم “الزمني” عن مواكبة التغيرات العالمية في السياسة الدولية، وجهلهم المطبق بآليات عمل الأمم المتحدة، وتحديدا مجلس الأمن، الذي طبّلوا لعضويتهم غير الدائمة فيه (2024-2025)، وبشروا بقدرتهم على اجتراح معجزات في القضايا التي تهم “مستضعفي العالم”، وعلى رأسهم مرتزقتهم “البوليساريو”، فهل أنجزت ولو جزءا بسيطا من هذه الوعود؟!

قبل محاولة الإجابة على هذا السؤال، لا بد من المرور سريعا على بعض أبرز الثوابت التي تهم النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية داخل مجلس الأمن، والتي عكسها قرار المجلس الأخير 2756، في انسجام تام مع عشرين قرار قبله! وكيف يسهم الفشل الجزائري في إدراكها في الحكم على أداء دبلوماسيته بالمحدودية والتخلف.

أولى هذه الثوابت -وربما أهمها- أن مرجعية العلاج الأممي لهذا الصراع “تنحصر” في قرارات مجلس الامن نفسه والتي أصدرها منذ عام 2007 تحديا، وليس قبل ذلك!! (يا للمصادفة!!

فهو عام تقديم مقترح الحكم الذاتي المغربي)، وبالتالي فليس هناك أدنى جدوى من محاولات مندوب الجزائر للإحالة إلى أي قرارات أممية تسبق ذلك التاريخ، لسبب بسيط وواضح للجميع باستثناء الجزائر: أن الخيارات والخطط التي قد تكون متضمنة في القرارات السابقة قد تم قتلها بحثا وتمحيصا، وثبت للمنتظم الأممي بما لا يدع مجالا للشك استحالة تنفيذها (وعلى رأسها الاستفتاء).

وعليه، لا يوجد جاهل في هذا العالم يبقى مصرا -مرة تلو أخرى- على “تجريب المجرّب”، اللهم باستثناء النظام الجزائري ودبلوماسيته المتجاوزة.

وسواء أرضى ذلك الجزائريين أم أدخلوه في خانة الظلم، فهم مجبرون على التعامل معه “كأمر واقع”!! ثاني هذه الثوابت، المرتبط بسابقه، أن الحل يجب أن يكون من طينة سياسية، بطبيعة توافقية، وبسمات واقعية، تجعله قابلا للتنفيذ، وهو الوصف الدقيق لمقترح المغرب للحكم الذاتي، ولا يمكن بحال أن ينطبق على مقترح الاستفتاء على الانفصال عن المغرب، أو تقسيم الصحراء بين الطرفين.

وبسبب افتقار الدبلوماسية الجزائرية للتحديث Mise a jour”” وغياب البدائل المتاحة أمامها لإحراج المغرب أو إيقاع الضرر به، فإنها تعيد تكرار موقفها المعطل لمناقشة مقترح الحكم الذاتي، مثلما عطلت في السابق -عبر عملائها في البوليساريو- لجان التحقق من هوية من يحق لهم المشاركة في الاستفتاء من صحراويي المغرب، فماذا كانت النتيجة في الحالتين؟ أسهم رفض تحديد هوية أزيد من 180 ألف صحراوي مغربي في إقبار مخطط الاستفتاء إلى غير رجعة، وسيسهم رفض نقاش مخطط الحكم الذاتي في إزالة الطابع الأممي عن القضية، وتركها للقرارات السيادية لدول العالم المختلفة، من شاء فليعترف بمغربية الصحراء ومن شاء يرفضها، والنتيجة معلومة سلفا!!

ثالث الثوابت الأممية، هو عدم جدوى المطالبة بتوسيع طبيعة تكليف ومهام المينورسو، كبعثة يقتصر دورها الآن على مراقبة وقف إطلاق النار (على غرار اليونيفيل في جنوب لبنان)، بعد أن تم شطب تنظيم الاستفتاء من ضمن قائمة مهامها، وتم تقليص أعداد موظفيها على أساس المهمة الجديدة (مراقبة وقف إطلاق النار).

وعليه، يجب على الجزائر إن كان يهمها ما يراق من ماء وجه دبلوماسييها في مجلس الأمن، التوقف عن المطالبة بتوسيع مهمة المينورسو إلى مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية للمغرب، وهو ما عبر عنه بوضوح “حليفها الافتراضي” سابقا روسيا، التي أوضح مندوبها بكلمات لا تحتمل التأويل “عدم إمكانية” قبول بلاده بلاده لتوسيع تفويض المينورسو ليشمل مراقبة أوضاع حقوق الإنسان، لا في الصحراء المغربية ولا في غيرها من مناطق العالم، وذلك في معرض تبريره للتصويت ب “لا” على مقترح الجزائر بهذا الخصوص.

بل إن استمرار المحاولات الجزائرية اليائسة تدفع أعضاء المجلس إلى المطالبة بتطبيق هذا الأمر داخل مخيمات الاحتجاز في تندوف، عبر وكالات الأمم المتحدة المختصة بالموضوع، وليس عبر المينورسو، ناهيك عن تجديد المطالبات الدائمة لتجاوز الجزائر لموقفها الرافض لإجراء أي عملية إحصاء وتسجيل لمحتجزي تندوف، للتمييز بين من هم صحراويين مغاربة، ومن هم لاجئين أفارقة!

نأتي الآن إلى الانكشاف المخزي -الذي كان متوقعا إلى حد بعيد- لضآلة التأثير الجزائري داخل مجلس الأمن، بل وحتى فضائها الأفريقي (الاتحاد الأفريقي وهيئاته المختلفة).

لماذا نقول متوقعا، لأن ذاكرتنا تقول أن العضوية الحالية للجزائر في مجلس الأمن هي الرابعة منذ استقلالها “الصوري” عن فرنسا، بواقع واحدة لكل رئيس! بدأت بعضويتها عامي 1968- 1969 (أيام حكم الرئيس هواري بومدين)، ثم عضويتها خلال عامي 1988- 1989(أيام حكم خلفه الرئيس الشاذلي بن جديد)، والثالثة بين عامي 2004- 2005 (خلال حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة)، قبل أن تأتي العضوية الحالية التي تنتهي في ديسمبر 2025، تحت ولاية الرئيس عبد المجيد تبون.

صحيح أن ولايتيها الأولى والثانية قد استفادتا من أجواء الحرب الباردة في معاكسة الوحدة الترابية للمغرب، وشراء المواقف الدولية المعترفة بالبوليساريو، لكن مع دخول القرن الجديد، كان لزاما على النظام تحديث دبلوماسيته وعقيدته العدائية للمغرب، حتى لا يراكم الفشل خلال ربع القرن الأخير، بما في ذلك عضويته في مجلس الأمن في عهدي بوتفليقة وتبون. لقد كان الأولى بالجزائر أن تمتنع عن الترشح لهذه العضوية في الهيئات القارية (الاتحاد الأفريقي) حتى لا ينكشف هزالها وانعدام قدرتها على التأثير الأممي، وأن تكتفي بالمتابعة والتعلم لكيفية عمل العرب والأفارقة داخل مجلس الأمن من خلال عضوية خلفها في المجلس البحرين (2026-2027)، والأهم، محاولة التعلم من “الأستاذ” المغربي خلال ولايته المقبلة عامي 2028-2029.

كخلاصة، وكما دفعت الواقعية بأعداء الأمس للمغرب (اسبانيا وفرنسا) إلى قراءة الواقع كما هو، واختيار الوقوف مع الجهة الصحيحة من التاريخ، وبالتالي الاعتراف بمغربية الصحراء، وهي اعترافات لا يمكن بأي حال القول بأنها كانت سهلة على أصحاب القرار والطبقة الحاكمة في هذه الدول، بل هي أصعب بمراحل من موقف مماثل يفترض أن يتخذه النظام الجزائري، يجب أن تدفع نفس الواقعية هذا النظام إلى الاعتراف باستحالة الانتصار على المغرب دبلوماسيا، سواء على مستوى الدول منفردة أو المنظومة الأممية ممثلة في مجلس الأمن، بمثل استحالة أن تشكل تحرشات البوليساريو العسكرية أي أذى للجدار الأمني الرملي في الصحراء، ناهيك عن الجنود المغاربة المرابطين خلفه، وهي استحالة يدرك عسكر الجزائر مدى انطباقها على خيار خوضهم مواجهة عسكرية مع المغرب، ستكلف النظام الجزائري وجوده نفسه!!

ولعل ما يسهل القرار المنشود على النظام الجزائري، إن بقي فيه عاقل، أن قرار الرجوع للحق، وإيقاف هذه المتاجرة بمعاناة محتجزي تندوف، وتصحيح العلاقة مع أشقائهم المغاربة، هو قرار يحظى بشبه إجماع جماهيري، بالنظر إلى وشائج الدم والتاريخ والكفاح والنسب والمصاهرة والتداخل الاجتماعي وغيرها، وهو سيمد النظام بجرعة كبيرة من الأكسجين هو في أمسّ الحاجة إليها، تسهم في إطالة عمره بضع سنوات أخرى، وإن لم يضمن استدامة وجوده! فهل نحن على أعتاب لحظة مماثلة، أم أن النظام الجزائري ينتظر كتابة فصل النهاية أمميا لهذا النزاع المفتعل، قبل أن يبدأ في التفكير ساعتها في خطوته التالية؟! ننتظر ونرى!

اقرأ أيضا

سانت لوسيا تجدد تأكيد دعمها الكامل لسيادة المغرب على صحرائه

جدد الوزير الأول لسانت لوسيا، فيليب جوزيف بيير، اليوم الخميس بالرباط، التأكيد على دعم بلاده الكامل لسيادة المغرب على صحرائه، معربا عن بالغ تقديره لرؤية الملك محمد السادس من أجل تعاون جنوب-جنوب متضامن وفاعل.

كومنولث دومينيكا تجدد دعمها لمغربية الصحراء

جدد الوزير الأول لكومنولث دومينيكا، روزفلت سكيريت، اليوم الخميس بالرباط، التأكيد على دعم بلاده للوحدة الترابية للمغرب ولسيادته على صحرائه، ومساندته لمخطط الحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد الموثوق به والجاد والواقعي من أجل تسوية نهائية للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية.

تدهورت حالته الصحية.. وضع بوعلام صنصال في وحدة احتجاز بأحد مستشفيات الجزائر

وُضع الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال رهن الاعتقال في وحدة احتجاز في أحد مستشفيات الجزائر العاصمة، فيما استأنف فريق الدفاع عنه قرار احتجازه، وفق ما أفاد محاميه في بيان الأربعاء.