بقلم: هيثم شلبي
مؤتمرا عربيا بعد آخر، وقمة إسلامية بعد أخرى، أصبح توقع سلوك المسؤولين الجزائريين الحاضرين ممكنا، بل مؤكدا، حيث يكاد تدخلهم في بنود البيان الختامي يقتصر على أمر واحد: المطالبة بسحب الإشادة برئاسة العاهل المغربي الملك محمد السادس للجنة القدس، وجهوده لمساعدة أهلها. ورغم أن الجزائر لم تنجح يوما في دفع المشاركين لسحب هذه الفقرة أو حتى التخفيف منها، فإنها تمارس الأمر نفسه في المؤتمر الموالي، وهي تعلم سلفا مصير مسعاها: رفض الطلب، وتثبيت الإشادة بالمغرب وعاهلها!
لكن، يحق لنا أن نتساءل: ما هو سر إصرار الجزائر على الاعتراض على أي إشادة عربية أو إسلامية بجهود العاهل المغربي عبر رئاسة لجنة القدس (المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي)، والتي يتولاها، خلفا لوالده الراحل الملك الحسن الثاني، منذ إنشائها قبل نصف قرن؟! للإجابة على هذا التساؤل، يمكن القول أن السبب مكون من شقين: واحد يشترك فيه النظام الجزائري مع أقرانه من “جبهة الصمود والتصدي”، وآخر ينفرد به دون غيره من الدول. جبهة الصمود والتصدي التي تكونت ذات يوم من الجزائر وليبيا والعراق وسوريا واليمن الجنوبي، إضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن يخرجها “أوسلو” من هذه المنظومة، تشترك في كونها اختارت جانب الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة، واعتادت معارضة إجماع ما تبقى من دول عربية. لكن فيما يخص ما نحن بصدده، فقد اعتادت هذه الدول على انتقاد أي خطوة تقوم بها باقي الدول العربية التي اختارت الغرب حليفا، واستمرت بعد ذلك على سلوك مشابه، حتى بعد أن تلاشت الأنظمة التي حكمتها عند تأسيس جبهتها (باستثناء الجزائر وسوريا!).
وبدلا من تقديم بديل، اعتادت هذه الدول على الاعتراض على أي مبادرة أو مقاربة من شقيقاتها، وانتقاد ما تقوم به من أعمال. والجزائر، كواحدة من هذه الدول، والتي لا تزال محكومة من نفس النظام، وتعيش ثقافة الحرب الباردة حتى يومنا هذا، اعتمدت أسلوب الهجوم على ما يقوم به المغرب من أعمال، أو التبخيس من أهميتها وقيمتها، دون أن تفعل شيئا بديلا.
فإذا كان النظام الجزائري يعتقد بمحدودية أثر أعمال لجنة القدس لمساعدة أهالي المدينة المنكوبة، ما الذي منعهم، طيلة نصف قرن، من تأسيس منظمة بديلة، يضخّون فيها جزءا من المليارات التي تذهب لمرتزقة البوليساريو، ويقدمون لأهل القدس ما يعجز المغرب وأهله عن تقديمه؟!! وهو ما نشهده من دول أخرى كقطر والإمارات والسعودية والأردن، وغيرها، التي اختارت أن تقدم مساعداتها لأهل القدس عبر مؤسسات تشرف عليها مباشرة. لماذا يكتفي النظام الجزائري “بلعن الظلام” بدل أن يقوم بإشعال “الشموع” بمليارات النفط والغاز؟!
أما الشق الآخر الذي يخص الجزائر دون باقي دول جبهة الصمود والتصدي، فيتعلق بما يعلمه القاصي والداني من دول العالم، من كراهية للمغرب، اتخذها النظام الجزائري عقيدة وسياسة، توجه تحركاته وجهوده ودبلوماسيته، بل وتفكيره! وهكذا، فالمحاولات الفاشلة دائما للمطالبة بسحب الفقرة الخاصة بالإشادة بجهود العاهل المغربي رئيس لجنة القدس، تعود ببساطة إلى كون المعني بالأمر هو “العدو المغربي”، الذي -وفق التعريف الجزائري- لا يمكن أن يفعل شيئا محمودا!! وتأكيدا لما سبق، لم نسمع يوما انتقادا أو تحفظا جزائريا من أي نوع على وصاية العاهل الأردني (الوصاية الهاشمية)على الأماكن المقدسة في القدس! ولعل إدراك الدول العربية والإسلامية لهذا “العداء العقدي” من النظام الجزائري للمغرب وأهله ونظامه، يجعلهم لا يلقون بالا لكل تحفظات النظام الجزائري، ويقفزون عنها بسبب “عدم موضوعيتها”، ويتمسكون بصياغة الإشادة التقليدية دون تغيير.
لقد كان من الأولى للسلطات الجزائرية أن تنأى بنفسها عن وضع “الأضحوكة” في مؤتمرات القمة العربية والإسلامية، وأن تنشئ هيئات إغاثية للقدس وغيرها، وأن تساهم بموازنات معتبرة في المنظمات الدولية التي تعمل على التخفيف من عذابات الضعفاء والمحتاجين، بدل الاكتفاء بمهاجمة لجنة القدس، أو التهجم على مصر لعدم فتحها الحدود أمام الجيش الجزائري من أجل القيام ببناء ثلاثة مستشفيات خلال عشرين يوما! وهو التصريح الذي استدعى قيام الرئيس تبون بزيارة مصر من أجل “لحسه” ومعالجة آثاره!
ختاما، فسلوك النظام الجزائري الذي يبخس ما يقوم به الآخرون، دون أن يقوم بالمقابل بعمل أي شيء بديل، هو نفسه في كل المواقف، لاسيما تجاه “حركات التحرر” الأفريقية بالخصوص. فلم نسمع يوما أن الجزائر قدمت جنودا أو سلاحا أو أموال معتبرة لدعم أي من هذه الحركات، اللهم إلا إذا كانت انفصالية، أو كرشوة لشراء مواقف معاندة للوحدة الترابية، كما هو الحال بالنسبة للبوليساريو في الحالة الأولى، وتعهد الجنرال شنقريحة بدعم الحركات الرواندية (الانفصالية) المسلحة العاملة في شرق الكونغو الديمقراطية، في الحالة الثانية. وعليه، فالانفصام بين القول والفعل هو قرين السياسة الخارجية للجزائر، وما دبلوماسيتها الهزيلة إلا مثال صارخ على هذا الانفصام!