تعرض المغرب في شخص وزير الخارجية والتعاون الدولي والوفد المرافق له إلى الاجتماع الوزاري لمتابعة المؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا، المعروف اختصارا تحت اسم “تيكاد”، في مابوتو عاصمة الموزمبيق، لاعتداء سافر من قبل قوات الأمن التابعة للسلطة الحاكمة عندما حاولت منع الوزير المغربي ناصر بوريطة من المشاركة في اجتماع متابعة “تيكاد” متجاوزة في ذلك كل الأعراف الدولية، وضاربة عرض الحائط بكل ما يمت بصلة إلى العمل الدبلوماسي.
وجدير بالذكر أن محاولة الموزمبيق لمنع وزير الخارجية المغربي من حضور أعمال اجتماع وزاري رسمي دعي اليه، باعتباره ممثلا للدولة المغربية، قد رافقتها وبالتوازي عملية تهريب أحد دعاة الانفصال من باب جانبي إلى قاعة الاجتماع مع أنه لم يدع أصلا لحضور الاجتماع لعدم حيازته أي صفة تسمح له بالمشاركة.
وقد خلف هذا السلوك الموزمبيقي الأرعن استهجان جل الوفود الحاضرة في الاجتماع، باعتباره خرقا سافرا لأبسط مقتضيات التعامل مع الوفد الرسمي المغربي من جهة، ومحاولة فرض عنصر دخيل على الاجتماع ضدا على إرادة الدول المدعوة رسميا إلى المساهمة في هذا الاجتماع الوزاري الهام من جهة أخرى. وكان ملفتا كيف صمد الوزير المغربي والوفد المرافق له واستطاع مواجهة الموقف بالحزم والقوة الضروريين لإحباط مساعي الموزمبيق البئيسة لمنعه من المشاركة.
وبطبيعة الحال، فإن موقف الموزمبيق وممارساتها خلال هذا الاجتماع ليس موقفا طارئا، وليس دليلا على تشنج سياسي فحسب، إنما هو عمل مدبر، تم اللجوء اليه في محاولة إلى لفت الأنظار من جديد إلى الجمهورية الصحراوية المزعومة والتي فقدت بريقها السابق الزائف في مختلف المحافل الإقليمية والدولية خاصة في السنوات الأخيرة. وقد أزرى هذا السلوك بالذات بالموقف السياسي والممارسة الدبلوماسية للدولة المضيفة. وهذا ما يفسر شجب وإدانة الدول والقوى التي لديها إلمام بقواعد القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية الأولية في العالم. ذلك أن الصورة واضحة تماما أمام الوفود المشاركة: هناك اجتماع وزاري إفريقي ياباني رسمي، محدد الموعد وجدول الأعمال سلفا، وهناك مدعوون لهذا لحضوره بعناوينهم التي ليس عليها غبار كما أن لهم صفتهم التي لا يعتورها غموض. وكان من شأن الالتزام بما يقتضيه هذا الوضوح كافيا لتجنيب الاجتماع الوزاري اَي فوضى في التنظيم أو اَي محاولات لتهريب الكيانات الوهمية إليه عن طريق بلطجية “الدولة” المضيفة، لو أن هذه الأخيرة دولة حقا، تتقيد بالتزامات الدول الطبيعية. لكن الواقع غير ذلك، لأنها لا تملك سيادتها على اَي مستوى من المستويات، بل تم تسخيرها منذ أمد بعيد لخدمة وظائف دول أخرى، لا ترغب في تحمل مسؤولياتها وتبعاتها، بشكل مباشر أمام المجتمع الدولي، لذلك تلجأ إلى تسخير الوكلاء للقيام بالأعمال القذرة التي لا ترغب في توريط نفسها فيها.
ويفيد النظر بعمق إلى ما جرى في مابوتو أنه ترجمة ملموسة لتصورين متناقضين حول إفريقيا والمستقبل الذي يريدانه ويعملان من أجله لأفريقيا وحول علاقتها مع العالم.
أولا، تصور مغربي استراتيجي يقوم على الندية في العلاقات بين دول القارة، ويعطي الأولوية للتعاون والتضامن على قاعدة الإيمان بإفريقيا باعتبارها المستقبل، كما دأب على ذلك سلوك المغرب تجاه البلدان الإفريقية، وكما أبرز ذلك خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لثورة الملك والشعب، حيث أعاد التأكيد على المفهوم المنفتح للوطنية المغربية في بعدها الأفريقي، وما يترتب على ذلك من التزامات مبدئية وسياسية تضفي على نظرته الشمولية والعمق والتوازن في التعاطي مع البلدان الإفريقية ضمن الأطر الثنائية كما في إطار مؤسسات الاتحاد الإفريقي أو غيرها من الأطر الجماعية،
ثانيا، تصور معادي لكل ما هو منتج ومستقبلي، في إفريقيا، تحدوه رغبة أداء أدوار دول أقل ما يقال فيها إنها طلقت، منذ أمد بعيد، كل ما يمت بصلة الى المصالح العليا للقارة الافريقية، ما لم تخضع لهيمنتها وتصوراتها التي تنتمي إلى زمن حروب العصابات والقرصنة بمختلف أشكالها، كما فعلت جنوب إفريقيا مع الباخرة المحملة بالفوسفاط المغربي، وكما حاولت مابوتو القيام به من خلال تهريب دولة الوهم إلى قاعة اجتماعات المجلس الوزاري الأفريقي الياباني مع الإصرار على عرقلة دخول الوفد الرسمي المغربي برئاسة وزير الخارجية والتعاون الدولي. وهو ما أدى إلى الفضيحة الدبلوماسية المدوية وفِي قلبها الموزمبيق كواجهة، إذ أن الفضيحة تشمل ممارسي مثل هذا التهريب سابقا على شاكلة جنوب إفريقيا وفنيزويلا والجزائر على رأس هؤلاء جميعا بطبيعة الحال.
إن احتجاج وزير الخارجية الياباني كونو طارو على هذا السلوك البلطجي لدولة الموزمبيق وإصراره على العمل على عدم تكراره في المستقبل، خاصة أن الاجتماع الوزاري المقبل سينعقد في طوكيو، كما أن إعادة التأكيد على الموقف الرسمي لليابان غير المعترف بدولة الوهم، يعنيان، معا، أن الموزمبيق قد تورطت في مغامرة ديبلوماسية كبيرة ستضع علامات استفهام عريضة على كيفية التعامل معها مستقبلا، من قبل الدول التي تحترم التزاماتها وترفض اللجوء إلى ممارسات التهريب والقرصنة وخرق اأسط مقتضيات البروتوكول التي ينبغي عدم المساس بها من قبل الدول المضيفة للاجتماعات والمؤتمرات الدولية. أي بكلمة، أن ما قامت به سلطات مابوتو يضعها ضمن خانة العصابات التي تبيح لنفسها ممارسات لا ترقى إلى مستوى ممارسات الدول. ومن هذه الزاوية، فإنها قد خسرت الرهان الأساسي في فرض نفسها كدولة محترمة، حتى ولو نالت الرضى المالي أو السياسي لدولة جنوب إفريقيا أو القيادة الجزائرية أو هما معا، مكافأة لها على عرض نفسها أمام المجتمع الدولي عارية من كل احترام أو تقدير نظرا لفعلتها المشينة بكل المقاييس. لكن الفضائح لا تقتل سفهاء القوم ولا أغبياءهم في كل زمن وحين.