كعادتهم كلما يمر منتصف شهرنا المنصرم، احتفل الغزاة الصهاينة بالنكبة العربية في فلسطين. ذلك باحيائهملمرورالذكرى السابعة والستين لإعلان قيام كيانهم الاستعماري الاستيطاني الغاصب في قلب الوطن العربي. وكعادتهم أيضاً، أو بهذه المناسبة ومن دونها، ولإدراكهم، ربما أكثر من كثرة من العرب، لطبيعة كيانهم العدواني المفتعل، وبالتالي، هشاشته كجسم غريب مرفوض زرع عنوةً في بيئة يلفظه تاريخها ولا تقبله جغرافيتها، وتنظر اليه كمولود سفاح لمشروع غربي استعماري معاد تاريخياً للأمة العربية، فقد ظلت اشباح التساؤلات الوجودية إياها المطاردة لهذا الكيان غير الطبيعي هى هى، وما انفكت تحوم على رؤوسهم، بل كثَّفتها ولم تبددها أجواء احتفالاتهم هذه، تماماً كما لم تفعلهأيضاً سابقاتها. ذلك رغم إحساسهم بامتلاكهم لأمرين لم يسبق وأن حظي بمثلهما سواهم من الغزاة عبر التاريخ. أولاهما، ترسانة ضمانات حماية غربية متعددة الأوجه دائمة التجدد، وامدادات مدرارة لاتنقطع لكل أوجه واسباب البقاء ومقتضيات التفوُّق، ومن بينها آخر ما توصَّلت اليه عقلية آلة الموت الغربية من مبتكرات القتل المتطورة. يردفه ويعززه، ثانيتهما، المتمثلة في بائس واقع عربي وفلسطيني لايحلمون بمثل مردود انحداراته القياسية لصالح ديمومة عدوانيتهم، بل لعله موضوعياً لا يقل رفداًلبقائهم عن ما يقدمه الغرب لهم من ضمانات ودافق امدادات.
خيَّم على اجواء احتفالات الصهاينة بذكرى قيام كيانهم الغازي، أو النكبة الفلسطينية، هذا العام شبح الخلافين الأخيرين بين ادارتي اوباما ونتنياهو، فأخذا حيِّزاً خادعاً ومبالغاً فيه لدى نقاشات المستويين السياسي والإعلامي في الجانب الصهيوني، ولم ينعدم بعضه في الجانب الأميركيأيضاً. الفوبيا الوجودية حضرت، رغم ادراك اصحابهالعمق العلاقة بين الطرفين ومدى عضويتها، ولم تخفف من استحضارها المحاولات المتكررة، ومن الجانبين،التأكيدعلى روسوخية الوشائج واستراتيجيتها. هذان الخلافان كان أولهما هو حول الاتفاق الأميركي الإيراني الخاص بالملف النووي، أو توقيع اتفاقه المزمع قريباً بين الخمسة زائداً واحداً وإيران، أو ما بات الآن أمراً هو أقرب إلى المفروغ منه، وكنا قد قلنا سابقاً في مقال ذي صلة بأنه، ورغم غزوة نتنياهو للكونغرس رافعا شعار التصدي لهذا الاتفاق والعمل على افشاله، فلسوف يوقَّع لأنه حاجة اميركية، ولأنه عندما تحضر المصلحة الأميركية، فالمركز، أي واشنطن، يأمر والثكنة المتقدمة، أي تل ابيب، تذعن، وهذا ما كان، فنتنياهو اليوم منشغل ما امكن بمحاولة تحسين شروط الإتفاق لا أكثر. أما ثانيهما، فهو خلاف ادارة اوباما مع ادارة نتنياهو حول تفصيل صغير من تفاصيل كيفية إدارة تصفية القضية العربية في فلسطين، أو هذا المتعلق بما يدعى “حل الدولتين” من عدمه، والذي اثارت زوبعته تصريحات نتنياهو قبيل انتخابات الكنيست الأخيرة حين تعهَّد بمنعه.
منذ البداية طمئن نتنياهو صهاينته بأنهامجرد خلافات عابرة لن تفسد لتليد علاقة قضية، ومن حينها وحتى الآن، يجهد اوباما وإدارته للتأكيد على مثل هذا. ومنه،أن جو بايدن، نائب الرئيس، وفي احتفال للسفارة الصهيونية في واشنطن بمرور الذكرى إياها، والذي حضره كافة اركان ادارة اوباما باستثناء رئيسها، قد قلل من اهمية هكذا خلافات وعدها طبيعية، أو”كما في العائلة” الواحدة، وزاد: إنه “من الطبيعي أن تجنن اسرائيل والولايات المتحدة احداهما الأخرى، لكننا نحب بعضنا بعضاً، وندافع واحدنا عن الآخر”، وللدلالة على ما يقوله أعلن أنه وابتداءً من العام المقبل ستصل الى الطرف المدلل من هذه العائلة الواحدة المتحابة “الشحنة الأولى من طائرات “f35” المتطورة التي ستعزز تفوُّق اسرائيل في المنطقة”…وذكَّر المحب من يبادلهم المحبة بأنه “ليس هناك رئيس فعل لأمن اسرائيل أكثر من الرئيس باراك اوباما، ففي عهده زوَّدت اميركا اسرائيل بمساعدات امنية بقيمة 20 مليار دولار واسلحة في قمة التطوُّر”.
فيما يتعلق بحكاية “حل الدولتين”، وانطلاقاً من الحرص على المصلحة الصهيونية، أو الخشية عليها من غوائل غلوائية نتنياهو، وفي كلمة القتها أمام مؤتمر للحركة الإصلاحية اليهودية، حذَّرت ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأميركي، حكومة “اسرائيلها” من مغبة عدم التزامها بهذا الحل، فأثار تحذيرها هواجس الصهاينة، وبدأت في كيانهم تعتمل شتى التأويلات المنطلقة من ارضية،المنطلقة منذات الفوبيا الوجودية المتأصلة لديهم، وصولاً إلى التكهُّن بنية اميركية مبيَّتة لعدم استخدام “الفيتو” لإبطال أي مشروع قرار قد يقدَّم لمجلس الأمن يتعلق بفرض مثل هذا الحل، رغم أن نائبة وزير الخارجية حرصت على تأكيد ما أكده قبلها نائب رئيسها، وأيضاً ذكَّرت من تخاطبهم بتأييد بلادها الدائم للكيان الصهيوني، “حتى عندما كان ذلك يعني الوقوف وحيدة أمام العالم بأسره”، وشددت على أنهذا الوقوف “سيبقى على حاله” ولن يتبدل، وصولاً الى أن كررت شيرمان أيضاً ما كان قد قالهبايدن عن مآثر اوباما الصهيونية، عندما عبَّرت عن تأثرها لمدى “التزامه شخصياً”بأمن الكيان الصهيوني….أما لماذا حذَّرت من عدم الالتزام ب”حل الدولتين”، فليس هذا إلا لأن المجاهرة بعدمه “سيجعل عملنا في الحلبة الدولية اصعب بكثير، وسيتعذر علينا أن نمنع محاولات تدويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني”…بعبارة أخرى،أما وأن تهويدكمالمتسارع الخطى أيها الأحباء يجهز عملياً على مثل هكذا حل ويجعله واقعاً من رابع المستحيلات،فعلام إذن لاتلتزمونبه،ولو قولاً مثلنا،وأنتمتعلمون أنه ليس ثمة ما سوف يلزمنا أو يلزمكم به؟!!!
*كاتب فلسطيني