يشهد حزب العدالة والتنمية صراعا داخليا غير مسبوق منذ نشأته سنة 1997، فقد أربكت الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني أعضاء الحزب ومسؤوليه. فالخلاف بشأن ظروف تشكيل الحكومة من طرف العثماني، وقبوله بما كان يرفضه خلفه، أصبح بمثابة كرة ثلج انطلقت صغيرة داخل أركان الحزب لتكبر يوما بعد يوم، حتى بات اليوم يعيش صراعا داخليا.
وبحسب مجموعة من المراقبين فإن الارتباك الحاصل داخل أروقة الحزب الحاكم، أكبر بكثير من ذاك الذي واجهه حينما طالبت جهات سياسية بحله إثر التفجيرات الإرهابية التي ضربت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003.
بداية الأزمة
ويرى الكاتب والباحث والمحلل السياسي إدريس الكنبوري، في تصريح خاص لـ مشاهد24، أن أصل الخلاف داخل حزب العدالة والتنمية، يرجع إلى إعفاء عبد الإله بنكيران من تشكيل الحكومة من قبل الملك محمد السادس، في أبريل الماضي. فقد “اعتبر البعض داخل الحزب، أن عدم نجاح بنكيران في تشكيل الحكومة بعد حوالي ستة أشهر من المفاوضات يرجع إلى وجود خطة لإفشاله، وأن النجاح السريع للعثماني في تشكيل الحكومة دون عراقيل يؤكد هذا الطرح”.
وأضاف الكنبوري، أن بنكيران ومن يناصره داخل الحزب “استوعبوا أن هناك رغبة في إخراجه من السياسة، باستعمال طريقة ذكية لإبعاده دون ضجيج، وهو ما سبب ردود فعل عنيفة داخل الحزب ضد حكومة العثماني، الذي اتهمه البعض بالتنازل عن الشروط التي كان بنكيران يطرحها خلال التفاوض مع الأحزاب، ومن بينها إدخال حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في الأغلبية الحكومية الراهنة”.
واستطرد الدكتور إدريس الكنبوري، أن حزب العدالة والتنمية، يشهد في الفترة الراهنة تيارين، الأول يقوده بنكيران، والثاني يقوده العثماني، و”لا يجب أن ننسى أن حكومة العثماني يشارك فيه رموز معروفون وقدماء في الحزب، كمصطفى الرميد ومحمد يتيم، وهؤلاء الوزراء في الحكومة يمثلون الأغلبية في الأمانة العامة للحزب”، وبالتالي يردف المتحدث، “فإن هذا التيار يدافع عن الحكومة ويعتبر أنها تمثل الحزب، بينما يرى تيار بنكيران أنها لا تمثل الحزب ويريدون التبرؤ منها، وهذا ما يفسر ظهور بعض الأصوات التي تدعو إلى الانسحاب من الحكومة”.
رأس بنكيران مطلوب!
وأكدت مصادر مطلعة من داخل حزب العدالة والتنمية لـ مشاهد24، أن ما أدى إلى تضخم الشعور بالمهانة لدى بعض القياديين داخل الحزب، هو إدراكهم أن المطلوب من خلق أزمة تشكيل الحكومة كان هو رأس بنكيران تحديدا، بدليل تشكيلها بسرعة كبيرة مباشرة بعد إبعاده.
وأضافت المصادر، أن إعفاء بنكيران وتعيين العثماني “لم يكن سوى محاولة للانقلاب على النتائج التي حققها الحزب في الانتخابات البرلمانية في السابع من أكتوبر الماضي”.
وقد اعتبر بعض أعضاء الحزب أن العثماني قدم تنازلات كبيرة خلال مشاوراته مع الأحزاب السياسية، وأنه لم يكن يرجع إلى الأمانة العامة لتقديم المعطيات حول تلك المشاورات وأخذ رأي أعضائها، بل تصرف من تلقاء نفسه وتوافق مع الأحزاب الأخرى حول توزيع الحقائب الوزارية، وكانت النتيجة أن الحزب لم يتسلم سوى الوزارات التي لا تأثير لها في السياسات الكبرى للدولة، بالرغم من أنه حصل في الانتخابات التي جرت في أكتوبر الماضي على المرتبة الأولى بـ125 مقعدا برلمانيا.
ويرى الباحث إدريس الكنبوري، أن الانقسام داخل الحزب مستبعد، في ظل الخلافات القائمة، “لكن أعتقد أن الحزب سيتغلب عليها”.
واستطرد المتحدث، أن البعض داخل العدالة والتنمية، “ربما يدرك بأن الهدف من إبعاد بنكيران وتعيين العثماني وتشكيل الحكومة بتلك الطريقة وراءه رغبة في خلق أزمة داخل الحزب أو الدفع به إلى الانشقاق، ومن هنا فسوف يعمل الحزب على الحفاظ على وحدة الصف لقطع الطريق أمام هذا السيناريو”.
وشدد المحلل السياسي، أن قيام بنكيران بإدخال 4 أسماء جديدة إلى الأمانة العامة للحزب، يأتي للتغلب على التيار الذي يقوده سعد الدين العثماني، وهو المشارك في الحكومة، “لذلك حاول بنكيران خلق التوازن بإدخال أسماء مقربة منه”.