في مقال نشرته صحيفة ”نيويورك تايمز” الأمريكية، تحدث الصحفي الأرجنتيني المقيم في مدريد، مارتن كاباروس، عن هذه الحالة الشاذة التي تعيشها إسبانيا بعد أن صارت بلدا من دون حكومة .
كاباروس قال إنه منذ استعادة الملكين فرديناند وإيزابيلا لإسبانيا كاملة من يد الموريسكيين في سنة 1492، منذ ذلك الحين وإسبانيا لديها حكومة أو حتى اثنتان، كما هو الحال عندما احتلها نابليون عام 1808 أو خلال الحرب الأهلية ما بين عامي 1936 و1939.
وطيلة الخمس قرون الماضية، كانت دائما توجد حكومة في إسبانيا إلى غاية 20 ديسمبر من العام الماضي، حيث فشلت الانتخابات في منح الأغلبية لأي حزب لتشكيل الحكومة، في الوقت الذي فشلت فيه المفاوضات من أجل إقامة تحالف حكومي.
ورغم إعادة إجراء الانتخابات في 26 يونيو الماضي، في محاولة ثانية للنجاح في ما تم الفشل فيه سابقا، جاءت نتائج الانتخابات مشابهة لسابقتها، ما يعني استمرار حالة الشك. وفي الوقت الذي استمرت فيه المفاوضات بين الأحزاب الأربعة الرئيسية، “الحزب الشعبي” و”الحزب الاشتراكي” و”بوديموس” وحزب “المواطنة”، لم يكن هناك أمل بالخروج من المشكل، حيث استمرت إسبانيا 253 يوما من دون حكومة.
ومع مرور مزيد من الوقت، بدأ الناس يتساءلون، حسب كاتب المقال، حول مدى فداحة الأزمة. الأمور تزداد تعقيدا بالنظر إلى محدودية هامش المناورة لدى حكومة تصريف الأعمال الحالية، التي لا تستطيع مثل المصادقة على ميزانية السنة المقبلة.
هذا الإجراء البسيط، الذي يجب أن يتخذ بحلول شهر أكتوبر، هو أحد أبسط مقومات الحكم، وتعثره يجعل الخبراء ينكبون على النصوص القانون للوصول إلى مخرج تشريعي لهذا المأزق.
من جانب آخر، تتعقد الصورة إذا ما عرفنا أن الحكومة صارت خارج رقابة البرلمان الذي لم يشرع نوابه أي قانون منذ تسعة أشهر، حيث أن أعضاءه، يقول مارتن كاباروس، منشغلة إما بالحملات الدعائية أو التفاوض.
وفي حين تقوم الحكومة الحالية بتدبير الأمور اليومية، تجد نفسها في مأزق أمام وضعيات لا يظهر معها كيف يمكن لها أن تتصرف في غياب وضع قانوني واضح، حيث أنه “لا أحد يريد أن يتحمل القرارات المهمة “، ما يجعل عددا من القضايا تتأجل وعددا من القرارات لا تتخذ. وكمثال على القرارات التي لم يكن بالإمكان الحسم، ذكر الكاتب مسألة تغيير 44 دبلوماسيا في مختلف سفارات إسبانيا، بما في ذلك عواصم مهمة مثل واشنطن وموسكو وروما.
تحول إسبانيا إلى بلد من دون حكومة دفع البعض إلى التساؤل حول ما إذا كانت الحكومة ضرورية لهذه الدرجة، لحد أنهم أصبحوا غير مهتمين بتشكلها، كما أن الأخبار الخاص بتطورات المفاوضات لتشكيل الحكومة صارت لا تغري القراء بالمتابعة.
استمرار غياب الحكومة من شأنه أن يؤثر مع ذلك، وهو ما يلفت الانتباه إليه خوسي أنطونيو ألفاريز، الرئيس التنفيذي لبنك “سانتاندير”، أكبر البنوك في إسبانيا، حيث أكد أن غياب الحكومة لم تظهر آثاره حاليا، خاصة أنه على المستوى المالي من يتحكم في تدبير سوق المال هي المراكز الدولية الكبرى، لكن هذه الآثار قد تبرز مستقبلا.
عموما، يظهر السياسيون في إسبانيا بمظهر سيء لدى الرأي العام، حيث يرى المواطنون أنهم فاسدون وأنانيون وغير قادرون على حل المشاكل التي كلفوا بحلها. الاحتججات المناهضة للتقشف في 2011 مهدت لبروز حزبي “بوديموس” و”المواطنة”، لكن مع مرور الوقت بدأ الحزبان وكأنهما مجرد حزبان إضافيان.
في حالة تنظيم جولة ثالثة من الانتخابات، يؤكد مارتن كاباروس أن المقاطعة ستصل إلى نسب قياسية وسيزداد التشدد تجاه جيل من السياسيين صار موضع شبهة من لدن الرأي العام، لكنه مصر مع ذلك على عدم إدراك مدى حجم التهديد، يضيف الكاتب.