نشر موقع Project Syndicate مقالا من توقيع وزير الخارجية الألماني السابق يوشكا فيشر حمل عنوان ” فرصة أوروبا الأخيرة “.
خلال المقال أكد الوزير السابق أن معظم تاريخ أوروبا تميز بالصراعات، وأن السلم لم يحل بالقارة إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وإقامة عدد من المؤسسات مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي والنظام النقدي بروتون وودز.
وخلال الحرب الباردة، فقدت كل الدول الأوروبية سيادتها لصالح القوتين العظمتين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، قبل أن يحل الاتحاد الأوروبي محل النظام الأوروبي القديم.
الاتحاد بني على أساس التعهد بدوام السلام بينه وبين دوله الأعضاء، وبين أوروبا وباقي العالم. وجاء انهيار الشيوعية في أوروبا وتفكك الاتحاد السوفياتي بمثابة انتصار لأوروبا والولايات المتحدة في ما قيل إنه “نهاية التاريخ”، أي انتصار الديمقراطية الليبرالية والرأسمالية القائمة على حرية السوق.
ثم جاءت سنة 2016 لتبدو معا هذه الأفكار وكأنها ساذجة. فبدلا من السلم الدائم والتقارب بين دول الاتحاد، يعيشون الأوروبيون بشكل يومي تقريبا مظاهر الفوضى والعنف، سواء تعلق الأمر بقرار المملكة المتحدة مغادرة الاتحاد الأوروبي، أو العمليات الإرهابية، أو تجدد الاعتداءات الروسي أو الانقلاب الدموي الفاشل في تركيا أو القمع الممارس على المجتمع المدني في هاته الأخيرة، وهو ما ضرب في مصداقية تركيا وقدرتها على أن تكون شريكا للغرب.
تنضاف إلى ذلك أزمة طالبي اللجوء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتدفقين على أوروبا، حيث صارت هذه الأخيرة تتحمل آثار الحروب والديكتاتوريات العسكرية في جوارها ما بات يهددها، في الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة وكأنها تعبت من دورها كضامن للسلم والنظام الدوليين، يقول يوشكا فيشر.
هذه العوامل وغيرها، يضيف كاتب المقال، دفعت العديد من الأوروبيين إلى الاعتقاد بأن سنوات السلم قد ولت.
هذه المشاكل، تدفع إلى الاعتقاد أنه من المفترض على الأوروبيين أن يسارعوا إلى تقوية الاتحاد الأوروبي من أجل استعادة زمام الأمور ومواجهة الأخطار المتنامية. لكن، بدلا من ذلك، اختار العديد من الأوروبيين الجري وراء الشعارات الشعبوية التي تنادي بالقومية والعزلة التي ميزت القرن 19 وبداية القرن العشرين.
هذا الوضع لا يحمل حسب وزير الخارجية الألماني السابق تباشير جيدة لأوروبا. فإدارة الظهر للتعاون المشترك والاندماج، في وقت نعيش فيه القرن الواحد والعشرين، هو بمثابة دفن للرأس في الرمال والرجاء في أن يمر الخطر بسلام.
من جانب آخر، يرى يوشكا فيشر أن تنامي الخطاب المعادي للأجانب والخطاب العنصري يمزق النسيج المجتمعي الأوروبي الذي تحتاج إليه القارة لمنع التهديدات التي ترخي بظلالها على السلم والنظام العام.
فيشر اعتبر أنه بالعودة إلى الماضي، لا يبدو أن تفكك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحرب الباردة قد مثلا “نهاية التاريخ”، ولكن بداية انفراط عقد النظام الليبرالي الغربي. فبخسارتها لعدوها “الوجودي”، خسر الغرب نقيضه الذي كان يشهر ضده تفوقه الأخلاقي.
الواقع الحالي يشير إلى تحول القوة الاقتصادية والسياسية من المحيط الأطلنتي إلى المحيط الهادي. ويبقى التساؤل عن القوة أو القوة التي سترسم شكل النظام العالمي المقبل؟ وحول ما إذا كان هذا التحول سيكون سلميا وما إذا كانت أوروبا ستصمد في وجه هذا التحول، وعن المؤسسات الدولية الذي قد ينتجها هذا النظام المقبل؟ كما يطرح التساؤل حول مصير أوروبا القديمة والتحالف الأوروبي الأمريكي الشمالي؟
هذه المتغيرات قد تكون فرصة أوروبا الأخيرة من أجل إتمام مشروع الوحدة، يقول يوشكا فيشر، فالنافذة التاريخية التي فتحت إبان فترة عولمة الليبرالية الغربية سوف تغلق قريبا، وإذا ما فوتت أوروبا هذه الفرصة، فإن الكارثة هي ما ينتظرها، يضيف وزير الخارجية الألماني السابق محذرا.