سواء صحت الاخبار التي تتداولها المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، حول “ضبط الداعيتين عمر بنحماد وفاطمة النجار متلبسين بممارسة جنسية”، أم كانا يمارسان “فعلا فاضحا في مكان عام دون أن يرقى للحالة السابقة” كالمداعبات والعناق وسواهما، أم كانا يوجدان فقط في وضعية ومكان مريبين، أم أنهما كانا يفطران أو يتمشيان على شاطئ البحر لنقاش أمر يهمهما، نقول، أيا كانت حيثيات القضية التي لا يمكن لغير محضر الضابطة القضائية أن يحسم فيها، فلا يجب أن تتخذ أبعادا تتجاوز كونها “خطأ بشريا يحاسب عليه القانون”، وبالتالي سينظر فيها القضاء ويقول كلمته، وتنتهي.
إن استغلال القضية من قبل بعض الجمعيات الحقوقية، تحت ستار أو شعار، لا فرق، المطالبة باحترام الحرية الشخصية للمعنيين بالأمر “بالتصرف في أجسادهم” وممارسة الجنس في الفضاء العام”، وذلك من أجل تجديد المطالبة “بتقنين وشرعنة” كل فعل شاذ، يعتبر جريمة أو جنحة في عرف المجتمع ونصوص القانون، هو استغلال أبعد ما يكون عن البراءة والمبدئية التي تحاول هذه الجمعيات إضفاءها عليه. إن حق الأفراد المكفول في ممارسة الجنس داخل أسوار المنازل، سواء بعقد زواج أو بدونه، طالما تم برضى الطرفين، لا يمكن تعميمه ليطال الأماكن العامة، بحجة أن هناك الكثيرون ممن يمارسون بعض مظاهره في العلن، أو أن الشيوخ أنفسهم يقعون فيه، ناهيك عمن ليس لديهم حساسية دينية أو اجتماعية تمنعهم منه. ويمكن القياس على ذلك، بالحق الفردي المكفول، بعيدا عن أعين المجتمع، لمن يريد الإفطار في رمضان، كسلا أو جوعا أو إنكارا، أو أن يقيم علاقة مثلية، رجلا كان أو امرأة، أو غيرها من الممارسات، التي لا يحق لأصحابها، وهم أقلية شاذة ورقم مهمل “بالمعايير العددية”، أن يشغلوا بال المجتمع والقانون بمحاولة تقنين وتعميم هذه الممارسات تحت يافطة الحقوق.
اقرأ أيضا: حركة “ضمير” تتضامن مع بنحماد والنجار.. وهذا ما طالبت به!
لقد وجد العرف والقانون دوما، لحماية الجماعة وليس لتقييد الأفراد. يستوي في ذلك القانون الإلهي، والأحكام الشرعية، والقوانين الوضعية في كل مكان. وحتى في “بلاد الحريات” التي تطالب هذه الجمعيات الحقوقية باستيراد قوانينها، وإضفاء صبغة كونية عليها، هناك عدد لا يحصى من القوانين المقيدة للحريات الفردية، من أجل حماية المجتمع، من قبيل قوانين منع الإجهاض، معاداة السامية، محاربة الإرهاب، … الخ. فحق أفراد هذه المجتمعات في شرب الخمر، وهو الحق الفردي المكفول، يدخل في باب “التجريم” إذا ما قام هذا الشخص بقيادة سيارته مخمورا، حماية لمن يشاركونه الطريق من سائقين ومارة.
أما بخصوص استخدام الحياة الشخصية للرموز التي تتصدى لإدارة الشأن العام، في محاربتهم وتصفية الحسابات السيسية معهم، فهي بدورها دعوة فيها الكثير من الحق، دون أن تعدم الجوانب المسيئة بل والمدمرة. فكما أنه لا يجوز لمن أدين بجرائم مخلة بالأمانة والشرف تسلم مناصب عامة، حماية لما بين يديه من أموال وسلطات، قد يسئ استخدامها والحفاظ عليها، يحق للناس أن لا تثق بتسليم أمورها العامة، لمن يرفضون الانصياع للمحدد السابق، ويحترمون المجال العام وهم يمارسون حقوقهم الفردية. فمثلية وزير أو سفير أو مسؤول آخر، أو إدمانه للمخدرات مثلا، وإن كانت لا تنتقص من كفاءته العلمية أو المهنية، فهي ربما تشكل مدخلا يمكن استهدافه كثغرة أو نقطة ضعف يسهل استغلالها ضده أو ابتزازه عبرها. لكن عدم التزامه الديني، أو امتلاكه معتقدات وآراء خاصة تنافي ما توافق عليه مجموع المواطنين، إذا لم تسهم في حرف مسار المهمة التي يتسلم أمانتها، وتفضي إلى حرمان فئات من المواطنين ممن لا يشاطرونه المعتقد أو الرأي، فليس هناك معنى لوضعها عائقا أمام استلامه مهام إدارة الشأن العام. وهي عموما أمور يعول على القانون أن يفصلها ويحسم فيها، ويتابع الأداء الوظيفي لكل شخصية عامة.
وكما هو ثابت شرعا، من عدم جواز التجسس على الناس لكشف عوراتهم، وبالتالي استخدام هذه الخطايا والأخطاء بل والحريات الفردية ضدهم في الحروب والخصومات السياسية، يمكن تفهم، والاتفاق مع، مطالب الجمعيات الحقوقية بعدم استخدام الحياة الخاصة وسيلة في المناوشات بين الفرقاء السياسيين. أما إذا اختار هؤلاء المسؤولون، أن يخرجوا حرياتهم الفردية إلى الإطار العام، ساعتها تنتفي عنها صفة “الحياة الخاصة”، ويصبح من غير الجائز مطالبتهم، أو من يدافعون عنهم، بعدم التطرق إليها في وسائل الإعلام وأحاديث الناس.
إن ممارسة بالغين للجنس طواعية، أيا كانت صفتهم، في مكان عام، حتى وإن كان بعيدا عن أعين الفضوليين، لا يمكن إدراجه بأي حال تحت بند الحريات الشخصية أو الفردية، فقط لكونه يتم برضى الطرفين، وبالتالي المطالبة المتجددة بإلغاء تجريمه قانونا. وفي حال ضبط المتورطان وتوبعا بمثل هذه “الجريمة”، التي تنم قبل كل شيء على استهتار شديد بقيم المجتمع ونصوص القانون، فيصعب الدفاع عن حقهم في إدارة شؤون الموطنين العامة. المسؤولية العامة، كأي وظيفة، لديها اشتراطات ومواصفات، على كل من يود الترشح لتولي مسؤوليتها أن يقبل “طواعية” بالتخلي عن بعض عاداته، بل ومساحته الشخصية. أما من ليس لديه مثل هذا الاستعداد، فليستمتع بحياته الخاصة، ويبتعد عن شؤون الناس العامة.