بعد فشل مشروعاته الكبرى.. تبون يتمسك بفيلم “الأمير عبد القادر” من أجل إنقاذ شعبيته!

بقلم: هيثم شلبي

بدا لافتا وغريبا في آن واحد، الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام الدعائية للنظام الجزائري، التي تحدثت عن اجتماع موسع حضره بوعلام بوعلام مدير ديوان رئاسة الجمهورية، كمال سيدي السعيد مستشار لدى رئيس الجمهورية مكلف بالمديرية العامة للاتصال، مليكة بن دودة وزيرة الثقافة والفنون، فيصل مطاوي مكلف بمهمة برئاسة الجمهورية بقطاع السينما، عبد القادر جمعة مستشار لدى وزيرة الثقافة والفنون، سليم عقار مدير مؤسسة الأمير عبد القادر، وأنور حاج إسماعيل منتج ومخرج!! مناسبة الاجتماع كانت أغرب من حجم حضوره، حيث خصص لإطلاع الرئيس على مستجدات مشروع فيلم “الأمير عبد القادر”، الذي يبدو أن أوجه شبه كثيرة تجمعه مع مشروع غار جبيلات وغيره من مشاريع الرئيس الكبرى، لاسيما استحالة تنفيذه!!

بداية، يلاحظ أن النظام الجزائري يستشعر خطرا داهما منذ الإعلان عن هزيمته الاستراتيجية أمام خصمه الأزلي: المغرب، على صعيد مجلس الأمن نهاية أكتوبر الماضي. ومنذ ذلك التاريخ، يجتهد “جهابذة” النظام في اختراع مواضيع يمكنها صرف انتباه الرأي العام الجزائري عن فشل نظامهم في قضية الصحراء المغربية، والإيحاء بأن ما حدث لا يعدو كونه “تعثرا” دبلوماسيا لا يحمل تبعات استراتيجية، وهي المهمة التي تكلف بها وزير الخارجية أحمد عطاف، دون أدنى نجاح يذكر. وفي هذا السياق، كان الرئيس تبون في حاجة لإبراز “أهمية الجزائر الجديدة” من خلال الادعاء بأنها قبلة لرؤساء العالم ومستثمريها، وهو الجهد الذي لم يسفر سوى عن زيارتين يتيمتين لرئيسي الصومال وروسيا البيضاء!!

أمام هذا التقهقر الدبلوماسي المتدرج، وتمهيدا لإعلان قرار “الرضوخ” لإرادة الولايات المتحدة، و “قرارها الأممي” بالانضمام إلى المائدة المستديرة المخصصة لنقاش مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، حصريا، وذلك في واشنطن في موعد لن يتجاوز يناير المقبل، كان لزاما إشغال الرأي العام المحلي ببعض الملفات، للتداعيات الخطيرة التي يتوقعونها في أعقاب الإعلان المذكور. البداية كانت مع رفع منحة الأسر والبطالة، قبل أن يأتي الخبر الغريب حول فيلم الأمير عبد القادر الذي بدأ التفكير فيه منذ أزيد من نصف قرن، فما هي قصة “الفيلم العالمي”؟!

على إثر النجاح الذي صادف فيلم “وقائع سنوات الجمر” لمخرجه محمد الأخضر حامينا منتصف السبعينات، وضعت على الطاولة فكرة عمل فيلم عن “الأمير عبد القادر” باعتباره “مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة”، دون أن يتبع ذلك أي خطوة تنفيذية حقيقية. في عام 2005، تجدد الحديث عن إنجاز هذا الفيلم في أعقاب نشر الأديب واسيني الأعرج روايته “الأمير.. مسالك أبواب الحديد”، ليتلوها الإعلان رسميا عام 2007 عن مشروع الفيلم غير محدد الملامح، اللهم باستثناء أنه سيكون “فيلما عالميا”. هذا الإعلان تجدد مرة أخرى عام 2010 ثم 2013 (كما تعددت مرات الإعلان عن تدشين مشروع غار جبيلات!!) قبل الإعلان عام 2018 عن توقف إنجاز مشروع الفيلم بشكل نهائي وإلى أجل غير مسمى!! المضحك المبكي أن عدم تصوير لقطة واحدة من الفيلم، لم يحل دون إعلان الوزارة الوصية عن أن مجموع ما أنفق على المشروع “الوهمي” قد تجاوز 12 مليون دولار أمريكي بالتمام والكمال، تسربت إلى حسابات بنكية يصعب حصرها، في فضيحة مدوية لم تجد من يحقق فيها.

ليأتي الدور على الرئيس “الملهم” عبد المجيد تبون لوضع بصمته الخارقة على المشروع بطريقة تثير الضحك والتندر، فقد قرر عام 2021 إنشاء “مؤسسة الجزائري للإنتاج وتوزيع واستغلال فيلم الأمير عبد القادر”!! نعم، أنشأ مؤسسة مهمتها الوحيدة إنجاز الفيلم، الذي تم الإعلان -كما يحلو للرئيس تبون أن يفعل دائما- أنه (أي الفيلم) سيشاهده قرابة مليار إنسان!! دون التساؤل متى وكيف وبأي لغة، ربما من أجل إبقاء باب النهب مواربا، بل ومشرعا على مصادر أخرى بعد إنجاز الفيلم؛ وقد تم رصد ميزانية أولية للفيلم قدرت ب 20 مليون دولار، سيكون مصيرها على الأغلب مشابها لما حدث مع ال 12 مليون السابقة!!

وبعيدا عن جدل الفساد المحيط بالمشروع الذي لم تنجح “الجزائر المنتصرة” في إنجازه على مدى عشرين سنة!! لا بد من التطرق ببعض الكلمات إلى موضوع الفيلم، الذي يتناول حياة شخصية “خلافية” لا يوجد إجماع حول عظمتها أو حتى وطنيتها لا داخل الجزائر ولا خارجها! فالأمير عبد القادر ما بين 1832-1847، وهي الفترة التي استمرت فيها “إمارته”، ليس هو نفس الشخص بعدها (سنوات إقامته الخمس في فرنسا، أو إقامته في “منفاه” الدمشقي بعدها إلى حين وفاته عام 1883)؛ بل إن هناك من يقسم المرحلة الأولى إلى مرحلتين، تبدأ الثانية منها على إثر معركة إيسلي عام 1844، والتي انقلب فيها على سلطان المغرب مولاي عبد الرحمن، بل وحارب جيوش السلطان في بعض المناطق. فأي المراحل تلك التي سيلقي الفيلم عليها أضواءه: مرحلة المقاومة التي استمرت 15 عاما فقط، ومنحته صفة “المقاومة” التي يروج لها مناصريه، أم مرحلة المنفى الفرنسي والسوري التي استمرت 36 عاما، وما فيها من مواقف وسلوكيات تبرر في نظر الكثيرين تكريس صفة “الخيانة” التي لازمته خلال ما تبقى له من حياة.

لقد كان أولى بالنظام الجزائري البحث عن صناعة فيلم يتحدث عن شخصية غير خلافية، لم يعرف عنه علاقات “مشبوهة” مع المستعمر الفرنسي، كعبد الحميد بن باديس (1889-1940) أو مالك بن نبي (1905- 1973)؛ وإن كان ضروريا إنجاز فيلم عن شخصية ثورية مقاومة فلا يوجد من يختلف على العربي بن مهيدي (1923- 1957)، بدلا من شخص كان يبالغ في إظهار التذلل والخنوع للإمبراطور نابليون الثالث بتقبيل يده؛ ولم يرتبط اسمه “بالمنحة” الفرنسية السنوية التي استمرت بعده إلى أبنائه وأحفاده والمقدرة ب 150 ألف فرنك ذهبي فرنسي سنويا (قطعا لم تكن صدقة دون مقابل من الفرنسيين)؛ ولم يدخل نفسه في المعسكر المعادي “لثورة المقراني الكبرى” في منطقة القبايل عام 1871، والتحريض عليها وإعلان التأييد الصريح لفرنسا ضدها؛ بل والطلب من الامبراطور الفرنسي تجنيس بعض أبناء الأمير والسماح لهم بنيل “شرف” الالتحاق بالجيش الفرنسي والقتال في صفوفه ضد المملكة البروسية عام 1870!!!

كخلاصة، لن يستطيع فيلم حول أي شخصية جزائرية تاريخية، سواء كانت خلافية أو غير ذلك، إنقاذ سمعة جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، المتدهورة، ولا إلهاء الرأي العام المحلي عن واقعهم المعيشي الكارثي، ولا التقليل من التشاؤم المحيط بمستقبل العملة والاقتصاد الجزائريين المفتوح على الانهيار الواسع. وحتى لو صدق النظام هذه المرة، ونجح في جعل الفيلم يرى النور مع نهاية 2028 أو خلال 2029، فعلى الأغلب أنهم لن يكونوا في مقاعدهم ساعتها، لأن غضب الجزائريين سيكون قد وضعهم في مكانهم الطبيعي: السجون أو المنافي!

اقرأ أيضا

العلمي: قرار مجلس الأمن انعطافة تاريخية في ملف وحدتنا الترابية تجسد قيمة قيادة الملك

أكد رشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب، أن تصويت مجلس الأمن على القرار رقم 2797 بشأن قضية الصحراء المغربية، لا يجسد فقط إقرارا بحقوق تاريخية ثابتة وبسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بل إنه أيضا تكريس واعتراف وعربون ثقة من المنتظم الدولي في النموذج السياسي والمؤسساتي المغربي، والذي قوامه وركائزه التنمية في أبعادها المختلفة، والديموقراطية بمضامينها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والانفتاح والتشبث بقيم السلم والتسامح والعيش المشترك واحترام الآخر.

للتغطية على فشله.. النظام الجزائري يلجأ للتضليل بشأن قرار مجلس الأمن حول الصحراء المغربية

بعد انتكاستة المدوية أمام امظار العالم، إثر الإعلان عم القرار الأممي رقم 2797 الذي جدّد دعم المجتمع الدولي لجهود المغرب من أجل إيجاد حل سياسي لقضية الصحراء، في إطار مبادرة الحكم الذاتي

مجلس الأمن

اليوم الجمعة.. مجلس الأمن يصوت على دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي بالصحراء

بعد تأجيل بسبب تطورات الأحداث في السودان، يصوت مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، يومه الجمعة، على مشروع قرار أمريكي ينص على أن تمتُّع الصحراء المغربية بحكم ذاتي تحت سيادة الرباط