“السكوار” يفضح محاولات النظام الجزائري التغطية على انهياره الاقتصادي!

بقلم: هيثم شلبي

من يطالع وسائل الإعلام الجزائرية بمختلف أنواعها، لا يجد موضوعا يطغى هذه الأيام على تدهور سعر صرف الدينار الجزائري أمام العملات الدولية، لاسيما اليورو والدولار، في السوق السوداء، التي يطلق عليها الجزائريون مصطلح “السكوار”. وقد تزايد هذا التركيز بشكل غير مسبوق إثر تقديم واعتماد مشروع الميزانية لعام 2026، وتصويت مجلس الأمن لصالح مغربية الصحراء في نهاية أكتوبر الماضي. وبعد أن نجح النظام الجزائري وأبواقه الإعلامية في تنحية ملف هزيمتهم الدبلوماسية في ملف الصحراء المغربية، على طريقة وزير الخارجية أحمد عطاف غير المقنعة كالعادة؛ واللغط الذي صاحب لأيام تصويت الجزائر لصالح قرار الولايات المتحدة المقدم لمجلس الأمن من أجل فرض “انتداب” جديد على قطاع غزة، مخالفا أدبياته المخادعة التي دأبت على رفع شعار “مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”؛ نقول، جاء الدور على ملف لا يقل خطورة عن ملف الموقف الجزائري من الصحراء المغربية، ويتعلق الأمر بالعجز المسجل في ميزانية العام المقبل، والذي دافع عنه بشكل مرتبك وبدون أدنى إقناع وزير المالية عبد الكريم بوالزرد، والتداعيات التي تلت ذلك وقادت إلى حالة من “السقوط الحر” للدينار الجزائري. فهل “للمفاجأة المصطنعة” لتدهور سعر الدينار ما يبررها؟ وما هي خيارات النظام أمام انكشاف الاقتصاد برمته، الذي سيقود إلى حالة تدهور شامل للاقتصاد الجزائري!

بداية، ورغم حشر عشرات المحللين والأكاديميين الاقتصاديين في البرامج الإعلامية المختلفة، نكاد نجزم أنهم جوقة قد تم “تكليفها بمهمة” جعل الموضوع أكثر غموضا بالنسبة للرأي العام الجزائري، بالتركيز على مواضيع هامشية كالمضاربات وتجار العملة وتجار الأزمات، لتفادي قول الحقيقة البسيطة للجزائريين، بأن هذا الوضع الذي يعيشونه اليوم لا يعدو كونه بداية الأزمة الشاملة، وليس ذروتها، وأن السبب الأول والأخير لهذه الكارثة هي خيارات النظام العسكري، والتي تترجمها قرارات الرئيس عبد المجيد تبون الكارثية. ومما يزيد قرارات تبون كارثية، هي طريقة تنفيذها الارتجالية والمتناقضة من قبل حكومة ليس فيها واحد من ذوي الكفاءة. وسنحاول تبسيط الواقع الاقتصادي الذي تعيشه الدولة الجزائرية حاليا، ونضع يدنا على أسبابها الحقيقية، وتداعياتها الكارثية المحتملة.

يمكن اعتبار أن “كلمة السر” في الأزمة الاقتصادية الخانقة الحالية، التي يجد النظام الجزائري نفسه فيها، هي “الإعلام الدعائي” على حساب الواقعية الاقتصادية والسياسية. فخطاب رأس النظام المدني عبد المجيد تبون، ومنذ بداية عهدته عام 2019، اختار التركيز على “الشعارات” الجوفاء بديلا للسياسات العملية. فكان أن بنى كذبة نجاح “الجزائر الجديدة” التي يرأسها على خرافة “صفر ديون خارجية”، ومشروع “غار جبيلات”، والصادرات الوهمية خارج قطاع المحروقات، والاكتفاء الذاتي من القمح، وتصنيع السيارات، وغيرها من الأوهام والأكاذيب. وكلف إعلام النظام الدعائي للترويج لخرافة تضاعف الناتج الداخلي الخام من 160 مليار دولار إلى أزيد من 300 مليار خلال 5 سنوات، وهي نسبة لم تحققها الصين في أبهى عهودها الاقتصادية، واتخاذ هذا “النجاح” مبررا للحديث عن تبوء الجزائر المرتبة الثالثة لأقوى اقتصادات القارة.

أمام هذه الصورة الدعائية البراقة الخادعة، لم يتغير الواقع المعيشي للمواطن الجزائري في أي اتجاه. فما زالت طوابير المواد الغذائية الأساسية على حالها، بل تزداد طولا، وما زالت المناطق المحرومة من الماء والكهرباء على حالها، وما زال الجزائري لا يستطيع أن يحلم بركوب سيارة جديدة أو مستعملة حتى خلال السنوات العشر المقبلة، وما زالت أعداد القتلى الجزائريين في قوارب الموت وفي “حافلات بومدين” في ازدياد مضطرد، وما تزال الحرائق تلتهم أراضي منطقة القبايل في غياب طائرات فعالة في مكافحة الحرائق، وما زال النظام يطالب الجزائريين بالتسبيح باسم الرئيس ثلاث مرات في اليوم نظير منحة البطالة والإعانة الموجهة للأسر المحتاجة، رغم إدراكهم أن هذه المعونة لا تكفي استهلاك أسرة متوسطة لمدة أسبوع أمام هذا التضخم المنفلت من أي ضوابط.

إن إصرار النظام على التمسك بهذه الصورة الدعائية الكاذبة، دفعه لمعالجة مآسيه الاقتصادية بحلول كارثية، معتمدا سياسة ترحيل الأزمة بدل مواجهتها. وهكذا، وكحل لمواجهة عجز الميزانية الذي بلغ العام الماضي 62 مليار دولار من أصل موازنة قيمتها 128 مليارا (حوالي نصف الميزانية)، تقول الحكومة الجزائرية أنها قادرة على خفض العجز المتوقع في موازنة العام المقبل إلى 40 مليارا من أصل إجمالي الموازنة البالغ 138 مليارا. وبغض النظر عن مدى مصداقية هذه الأرقام، وعدم جواب الحكومة على الكيفية التي غطت بها عجز العام الماضي الذي بفوق 60 مليار دولار؟ علما بأن احتياطي البنك المركزي من العملة الأجنبية لا يغطي هذا المبلغ؟ الجواب الذي يعرفه كل من يملك أبسط مفردات علم الاقتصاد يجيب: أولا بالاستدانة الداخلية (ارتفع حجم الدين الداخلي من 122 مليار دولار عام 2024، إلى 131 مليارا عام 2025، ويتوقع أن يتجاوز 145مليارا العام المقبل، مقابل دين خارجي شبه ثابت يتراوح ما بين 3-5 مليار دولار (وليس صفر دولار كما يروج الرئيس تبون كذبا). ثانيا عبر طبع الدينار، وهي الوسيلة الأسهل والأكثر كارثية، والتي يدفع النظام ثمنها اليوم عبر السقوط الحر لقيمة الدينار في سوق العملة الحقيقي وليس الرسمي المزور. طبعا استثنينا متعمدين أن يكون النظام قد لجأ لتغطية العجز عبر احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، من جهة لأنه يقل عن 60 مليار دولار حسب تصريحات محافظ البنك المركزي الجزائري قبل أيام، ومن جهة ثانية لأن تدهوره عن هذا الحد سينعكس سلبا في مجالين: ورطة تغطية عجز الميزان التجاري الذي سيزيد العام المقبل عن 5 مليارات (صادرات 63 مليار دولار مقابل واردات ب 68 مليارا)، وثانيا وهو الأهم أنه سيقلل فرص حصول الجزائر على قروض خارجية، عندما تتنازل عن كبريائها المصطنع وتلجأ للحل الوحيد الذي ينسف الدعاية المحببة للرئيس تبون.

لقد دفع هدف الحفاظ على رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة إلى إقفال باب الاستيراد عام 2024، وهو ما سمح بتحقيق وفر بقيمة 5 مليارات دولار، لكنه أزم العلاقة مع الاتحاد الأوروبي من جهة، وزارد الاحتقان إلى درجات عليا في الداخل الجزائري، لاسيما في قطاع السيارات. الأمر الذي دفع السلطات الجزائرية لفتح الباب جزئيا أمام الاستيراد حتى مع التضحية بأزيد من 10 مليارات من رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة (من 72 مليار عام 2024 إلى 60 مليارا مع نهاية 2025)، وهو المشهد المرشح للتكرار العام المقبل، مما سيخفض رصيد البلاد من العملة الصعبة إلى حدود 50 مليار دولار!!

وبهدف الحفاظ على رصيد العملة الصعبة، أصبح لزاما على كل مستورد أن يشتري الدولار واليورو من السكوار، الأمر الذي أوصل الدولار إلى أزيد من 250 دينارا للدولار (السعر الرسمي هو 135 دينارا)، واليورو إلى حدود 300 دينارا لليورو (السعر الرسمي هو 147 دينار). واقع مرشح للتفاقم أكثر، لأن الحكومة تجاهد للتعامل مع عجز موازنة يزيد عن 40 مليار دولار، وعجز تجاري يزيد عن 5 مليارات دولار، وانخفاض محتمل لسعر برميل النفط عالميا عن السعر المرجعي الذي حددته الحكومة في موازنتها (60 دولارا في البرميل). وعليه، لن تكون الحكومة قادرة على كبح جماح السقوط الحر لليورو والدولار في السكوار، وهو ما سيترتب عليه زيادات مهولة في أسعار السلع المستوردة من الخارج، والتي تشمل كل شيء تقريبا، وسيسهم نظام “المستورد الذاتي” و منحة السفر في استنزاف رصيد البلاد من العملة الصعبة، الأمر الذي يرسم آفاقا قاتمة لواقع الاقتصاد الجزائري، والواقع المعيشي للجزائريين.

كخلاصة، وأمام محدودية الموارد وانعدام الحلول، واختيار النظام الحفاظ على الصورة الوردية المزورة التي رسمها للاقتصاد الجزائري منذ بداية العقد، لن يكون بمقدور الحكومة إلا اللجوء للاستدانة الخارجية، والاستمرار في طباعة الدينار الجزائري، وسيستمر الواقع الاقتصادي والمعيشي للجزائريين بالتدهور، إلى الحد الذي سيعجز النظام عنده عن تغطية سوأته الاقتصادية، ويدفع الجزائريين دفعا إلى الانتفاض ضده وتجديد حراكهم الشعبي، وكما يقول المثل العربي: “كل آت قريب”!

اقرأ أيضا

صراع أجنحة الحكم في الجزائر، وحلقة جديدة من مسلسل الأزمة المفتعلة مع وفرنسا!

بقلم: هيثم شلبي عندما توجهنا مشكلة تحتمل عدة تفسيرات، فإننا نلجأ عادة إلى حصر وتقليل …

رئيس المرصد الصحراوي لـ”مشاهد24″: توالي المواقف الدولية المؤيدة لمخطط الحكم الذاتي اعتراف بفعالية النموذج المغربي ووجاهته

انخرطت البرتغال الدولة الأوروبية الفاعلة على الساحة الدولية ومعها مقدونيا الشمالية وكذا غامبيا البلد الواقع غرب إفريقيا، في الدينامية المتنامية الداعمة للمخطط المغربي للحكم الذاتي من أجل تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء.

الجزائر

في الذكرى الثالثة والستين: هل الجزائر دولة مستقلة أم أسيرة لدى جنرالاتها الذين خانوا مبادئ “ثورة نوفمبر”؟!

في غمرة احتفالات الذكرى الثالثة والستين لاستقلال الجزائر، يطرح سؤال مؤرق نفسه بقوة: هل تحقق حلم "دولة نوفمبر"، الذي لطالما تغنى به جنرالاتها حقاً؟ أم أن ما نعيشه اليوم ليس سوى استقلال صوري، حجبت فيه طموحات بيان أول نوفمبر تحت روث حكم عسكري لم يفلح في بناء دولة ديمقراطية عادلة، تحمل أيا من بيان ثورة نوفمبر العظيمة؟