ضجة مفتعلة لإعلام الجنرالات حول عضوية الجزائر “المزعومة” في منظمة آسيان!!

بقلم: هيثم شلبي

“ضجة مفتعلة”، و”احتفاء مبالغ فيه”، هي أقل ما يمكن أن توصف به الأخبار التي تملأ صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية الجزائرية في الداخل، وتلك الدولية المرتبطة بنظام الجنرالات في الخارج. المناسبة هي “انضمام الجزائر لمعاهدة آسيان” أو -كما فضل البعض الآخر أن يعنون-: “الجزائر تنال عضوية الآسيان”. مبدئيا، لا يحتاج هذا الأمر أكثر من إرسال “تهنئة” لوزارة الخارجية الجزائرية، لكونها استطاعت أخيرا أن تحظى بعضوية منظمة إقليمية (باستثناء عضويتها في منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الدول العربية، وحركة عدم الانحياز، والتي تتوارثها أنظمتها منذ الاستقلال). فكما هو معلوم، فالجزائر هي الدولة الوحيدة من أصل دول الاتحاد الأفريقي ال 53، التي لا تحظى بعضوية أي تجمع قاري فرعي، بعد أن ساهمت بموقفها من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، في شل اتحاد المغرب العربي، وتجميد أعماله منذ ثلاثة عقود وإلى أجل غير مسمى. لكن، وكما عودنا جنرالات الجزائر مدنيين وعسكريين، وإعلامهم الدعائي، لا يمكن قبول أي معلومة تأتي منهم على أنها معلومة صحيحة، بل نحتاج إلى تدقيقها مهما كانت بسيطة أو حتى تافهة. فعضوية الآسيان، تلك المنظمة القارية المهمة -إن صحّت-، هي “فتح دبلوماسي” يحسب لأحمد عطاف، بشكل تجعله يغادر صورة “الفاشل الدائم”!! فما هي حقيقة قصة عضوية الآسيان؟!

الآسيان هي منظمة قارية تجمع عشر دول في جنوب شرق آسيا، وكما يفهم من سيل الأخبار الآتية من الجزائر ومن الإعلام المرتبط بها، يفترض أن تصبح 11 بعد انضمام القوة الضاربة! لكن التساؤل الصارخ الذي دفعنا لمزيد من البحث يتلخص في تساؤل جوهري: لماذا الجزائر دون باقي دول العالم؟! لتأتي الإجابة الصادمة، والتوضيح الذي يحول الإعلام الجزائري وتوابعه إلى موضع سخرية العالم. بإجراء بحث صغير، تبين أن للعضوية في الآسيان فئات ومستويات، تبدأ “بالعضوية الكاملة” التي تقتصر حاليا على الدول العشرة، تليها “عضوية مراقب”، وتضم تلك الدول المرشحة للعضوية الكاملة، بعد فترة تطول أو تقصر. ثالث فئات العضوية هي “عضوية شريك حوار كامل”، وتضم الشركاء الذين تكتسي علاقاتهم بمنظمة آسيان أهمية خاصة، وتضم حاليا 11 عضوا، كالولايات المتحدة والصين والهند واليابان وروسيا وكندا وأستراليا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي وغيرها. رابع مستويات العضوية يتعلق “بشركاء الحوار القطاعي”، والذين يتشاركون مع الدول السابقة الأهمية بالنسبة للآسيان في قطاعات محددة، وعددهم حاليا 8 دول (البرازيل، تركيا، باكستان، النرويج، سويسرا، الإمارات، جنوب أفريقيا، و… المغرب). أما خامس فئات العضوية وأقلها أهمية، فهم من يحملون صفة “طرف متعاقد” مع معاهدة الصداقة والتعاون (الآسيان)، وهي الفئة التي انضمت إليها الجزائر قبل أيام، وتشاركها فيها 57 دولة أخرى!!

هكذا، وعند وضع الأمور في سياقها، بعيدا عن التدليس والتلاعب بالألفاظ من قبيل “انضمام” و “عضوية”، يظهر الأمر في حجمه الحقيقي، بما يحتم تغيير عناوين الأخبار المتداولة كليا، لتصبح “الجزائر تصبح الدولة ال 58 التي تحصل على صفة طرف متعاقد مع منظمة الآسيان”. صفة وإن أتاحت لها حضور بعض اجتماعات الآسيان، فهي لا تبرر الحديث عن أهمية مبالغ فيها بين الطرفين (الجزائر والآسيان)، ولعل هذا ما يفسر إلحاح الوزير عطاف في كلمته في أعقاب قبول طلب بلاده كطرف متعاقد، أن الجزائر تطمح في نيل صفة “شريك حوار قطاعي”، من أجل تعميق علاقات الطرفين في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

للتذكير -والمقارنة- فالمغرب سبق الجزائر في عضوية الآسيان، حيث نال صفة طرف متعاقد عام 2016، بينما أصبح شريك حوار قطاعي في 2023، أي بعد سبع سنوات من الصفة التي بالكاد احتلتها الجزائر. كل ذلك دون أن يقيم الإعلام المغربي “عرسا” دبلوماسيا، أو يحمل وزير خارجيته ناصر بوريطة “فوق العمارية”!!

ولو تجاوزنا جدل مستوى وفئة الانضمام الجزائري، والضجة المفتعلة التي أقامها الإعلام الدعائي ولم يقعدها، فما هي حقيقة أهمية أن يكون للجزائر صفة العضوية بأي من مستوياتها مع منظمة قارية كالآسيان، وهو الذي لم ينجح في الانضمام إلى منظمات إقليمية ملاصقة له، مثل تجمع دول الساحل والصحراء، تجمع وسط أفريقيا، أو تجمع غرب أفريقيا؟! وما هو حجم المنافع الاقتصادية التي ستترتب على “عضويته” في الآسيان، رغم أنه بلد يعتمد على مورد واحد هو النفط والغاز، والذي يذهب كله تقريبا إلى أربعة شركاء شماليين: إيطاليا، تركيا، اسبانيا وفرنسا!! شراكة تنطبق كذلك على تجارته خارج قطاع النفط، والتي تقتصر على مواد خام وكيماويات مرتبطة بالنفط، وتذهب بدورها إلى شركاء محدودين. هل يتصور أن تشهد صادراته لدول الآسيان قفزة مشهودة، الإجابة القاطعة هي بالنفي؛ هل سيفتح أسواق الجزائر لمزيد من واردات الآسيان، الإجابة شبه المؤكدة هي بالإيجاب، فما هي الفائدة الاقتصادية التي ستعود على الجزائر إذا، إلى الدرجة التي تبرر كل هذا “التطبيل الدعائي” لعضوية الجزائر المزعومة في الآسيان؟!

حقيقة الأمر -كما نعتقد- لا تتجاوز كونها محاولة “بائسة” من النظام العسكري الفاقد للمشروعية والصلاحية للإيحاء بأهمية “مفترضة” على الساحة الدولية؛ وفي نفس الوقت هي محاولة “يائسة” للتغطية على فشل النظام ورئيسه المدني في الانضمام لمنظومة “بريكس”، بعد كل التطبيل الذي سبق الفشل بعدة شهور. فواقع الحال، أن النظام الجزائري لم يستطع حتى اللحظة “هضم” خسارة الرهان على عضوية البريكس، ويحاول بشتى السبل نيل أي عضوية ولو شرفية في أي منظمة قارية لا تربطه بأي من دولها أي علاقة، للرد على وزير خارجية روسيا لافروف، الذي برر عدم نيل الجزائر لعضوية البريكس لكون هذه العضوية تمنح للدول “ذات الوزن والهيبة” على الساحة الدولية، وهو ما لا ينطبق بالتأكيد على جمهورية الجنرالات!

ختاما، هي محاولة دعائية فاشلة أخرى، تحاول أن تصنع “من الحبة قبة” كما يقول المثل، لكن الواقع يقول بوضوح ودون مجاملة، أن انضمام الجزائر كطرف متعاقد مع الآسيان هو في حقيقته “حبة”، وحتى نيلهم عضوية شريك الحوار القطاعي -إن حصلوا عليها- لن يحولها إلى “قبة”، لنفس الأسباب دائما: لا يمكن لنظام فاقد للصلاحية والمشروعية الشعبية، أن يحقق أي نجاح دبلوماسي دولي ذي قيمة، وأن أقصى ما يمكن أن يطمح إليه هذا النظام وإعلامه، هو عمل ضجة “كبيرة” على خطوات دبلوماسية “صغيرة”، علّها تطيل من عمر النظام قليلا!

اقرأ أيضا

بعد اتهام الجزائر بالخيانة.. عطاف يبرر التصويت على القرار الأمريكي بشأن غزة بمجلس الأمن!

بعد سيل من الانتقادات واتهام الجزائر بالخيانة من قبل الفصائل الفلسطينية، كشف وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، اليوم الثلاثاء، عن الأسباب التي دفعت بلاده إلى التصويت لصالح مشروع القرار الأمريكي المتعلق بقطاع غزة.

نظام الكابرانات يرضخ.. رئيس الاستخبارات الفرنسية يكشف رغبة الجزائر في استئناف الحوار

فضح رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي، نيكولا ليرنر، وهم القوة الذي يدعيه النظام العسكري الجزائري؛ فبعد أزيد من سنة من قطيعة سياسية ودبلوماسية غير مسبوقة بين البلدين، كشف المسؤول الفرنسي، اليوم الاثنين، عن تلقي باريس إشارات من الجزائر تفيد باستعدادها لاستئناف الحوار.

ماذا بعد اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2797 حول الصحراء المغربية؟

بعد تصويت مجلس الأمن الأخير، والذي رسخ مبادرة الحكم الذاتي كمرجعية أساسية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، من المرتقب أن تُواجه الجزائر ضغوطا دولية لقبول الوضع الجديد، إذ سيُضعف القرار موقفها الداعم لجبهة "البوليساريو" الانفصالية أمام المجتمع الدولي.