«هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد»… بإمكان عدد من أبناء الرؤساء العرب الذين سعى آباؤهم أن يورثوهم الحكم أن يرددوا النصف الأول من بيت شعر أبي العلاء المعري لكنهم بالتأكيد من الصعب أن يجازفوا بترديد نصفه الثاني. آخر من جنى عليه أبوه، ميتا، سيف الإسلام القذافي فيما تستمر محنة إثنين من نظرائه في حياة والديهما، هما جمال مبارك وأحمد علي عبد الله صالح، جمال داخل السجن وأحمد خارجه.
سيف الإسلام القذافي يستحق محاكمة عادلة لا شماتة فيها ولا انتقام، وهو ما لم يتوفر على الأرجح في المحكمة التي قضت مؤخرا بإعدامه، وكذلك أحمد صالح الذي لا مفر له من أن يمثل يوما أمام المحكمة حتى وإن ظن اليوم أنه في مأمن من ذلك. حين التقيت قبل بضع سنوات لمرة يتيمة بسيف الإسلام القذافي لإجراء مقابلة تلفزيونية وجدته شابا على قدر كبير من التهذيب والخجل وحتى بعض الارتباك. لم يسع، على غرار بعضهم، إلى محاولة طلب الأسئلة أو التنبيه إلى أنه لن يخوض في مواضيع محددة. وحين إتصل بي وقتها صديق فلسطيني مشترك لـــ»يوصيني به خيرا» لم يجد من القول سوى إنه «العاقل الوحيد في مجموعة والده والمحيطين به». قول يحتمل المدح والذم على حد سواء لكنه بالتأكيد هو السبب الذي جعل البعض ممن قدموا أنفسهم كمعارضين للقذافي وشاركوا بشكل أو بآخر في الإطاحة بحكمه يتعاونون معه في فترة من الفترات، بل ومنهم من كان ضمن الحلقة الضيقة المحيطة به.
جمال مبارك لم يعرقل وصوله إلى الحكم عدا اختناق المصريين الكامل بطول حكم والده يضاف إلى أنه، بشخصيته السمجة لم يستطع كسب الناس، ولا هو حاول كثيرا على كل، فقد كان مطمئنا إلى أن الحكم آيل إليه لا محالة، رغم أنف شعبه الطيب الصبور القادر على تحمل الأذى بنكتة هنا وشكوى عابرة هناك، لكنه نسي أن الأمور تغيرت كثيرا وما زالت مرشحة للتغيير اليوم كذلك.
المزيد: أويحيى: “توريث الحكم في الجزائر غير وارد”
أحمد علي عبد الله صالح، هو الوحيد الذي سارت الأمور مع والده على ما يرام لكنها حال «من كان في نعمة ومن يشكر خرج منها ولم يشعر». غادر والده الحكم وفق صيغة مثلى أمنت له ما كان ربما بن علي ومبارك والقذافي يتمنونه في منامهم، لكن الرجل عض اليد الذي امتدت ليس فقط لمساعدته بل ولإنقاذ حياته بعد محاولة اغتياله. أكثر من ذلك، بتحالفه مع الحوثيين تحول هو ووالده إلى موقع مقابل تماما معاد للبلد وهويته ولأصحاب الفضل عليهما وعلى كامل الأسرة. تــُــرك أحمد سفيرا في دولة الإمارات معززا مكرما لكنه لم يقدر هذه النعمة أيضا فصار يحارب وأنصاره الحكومة التي عينته إلى أن اضطرت إلى عزله.
رؤساء عرب آخرون لم يكونوا بصدد تأهيل أبنائهم لورثة الحكم من بعدهم ولكنهم سمحوا لهم بكثير من الاستهتار الذي أساء إليهم كثيرا وقضم من رصيدهم حتى بين أنصارهم. الراحل صدام حسين المثال الأبرز هنا فسلوك إبنيه ولا سيما عدي كان همس الناس جميعا دون أن يتجرأ أحد على فضح ذلك. ما يشفع لهما في النهاية هو استبسالهما في الدفاع عن نفسيها حتى الموت رافضين الاستسلام لقوم كانوا سيسومنهما سوء العذاب بلا شك. الرئيس عبد الناصر سعى طوال حكمه لإبعاد أبنائه عن دائرة الضوء ولكن وفاته المبكرة لا تسمح بالجزم بماذا كان يمكن أن يكون عليه الوضع مع استمرار حكمه فلا أحد كان يتحدث عن أبناء مبارك في البداية، لقد كانوا أطفالا. رؤساء آخرون أشركوا أبناءهم في تسيير دواليب الدولة دون أن يصلوا إلى حد تهيئتهم لخلافته. الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة مثلا عين إبنه المحامي الحبيب الإبن مستشارا خاصا له وفي فترة من الفترات وزيرا للخارجية لكن لا أحد ردد في أي وقت أنه قد يكون خليفة والده حتى أن لبورقيبة جملة شهيرة في هذا الصدد وهي أن «الزعامة لا تــُــورّث».
ما جمع في النهاية ثالوث التوريث أن أباءهم أوقعوهم جميعا في شر مآل بعد أن ظنوا أنهم سيمددون من خلالهم حكما إستمر لــ 42 عاما للقذافي و30 لمبارك و33 لــــصالح وقد يستمر من خلال أحفادهم. أما من استطاع ورثة الحكم فعلا، مثل بشار الأسد، فأفلح في تدمير بلده بالكامل دون أن يتنازل عن حكم بإمكانه أن «يفتخر»، في أعقاب تركه له حتما يوما ما، أنه تسلم من والده بلدا واحدا… وسيسلمه بلدين إثنين أو ثلاثة أو ربما أكثر.
٭ كاتب وإعلامي تونسي/”القدس العربي”