تزامن قرار الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي تمديد حالة الطوارئ شهرين آخرين، مع حملة غير مسبوقة منذ الثورة، تروج لمخاوف عن تقييد حرية الإعلام والتعرض للحريات الفردية، مدعومة ببيانات من منظمات دولية غربية تعودت على كيل الاتهامات إلى دول الجنوب عموماً والعربية خصوصا، كونها «مستنقعاً دائماً للانتهاكات ومرتعاً خصباً للفساد، أما ما سواها فهو جنة الله على الأرض».
المزيد: الباجي قائد السبسي: الوضع في ليبيا أضر كثيرا بتونس
مخاوف البعض من استهداف الحريات في تونس، لاسيما في ظل عودة ما توصف ب«القبضة الأمنية» مشروعة، إذا كانت هناك وقائع فعلية لتجاوزات بحق الأفراد أو الأحزاب أو الإعلاميين، أما إذا كان هذا الصخب المتصاعد مجرد ضجة لدواعٍ سياسة، فهو إساءة مدروسة للبلاد، ولتجربتها الديمقراطية الوليدة، وتجاهل مقصود للسبب الذي من أجله فرضت حالة الطوارئ. والمعلوم أن دخول أي بلد في حالة أمنية وعسكرية استثنائية يعني أنه يواجه خطراً داهماً يشكل ضرباً للدولة، واستهدافاً لمؤسساتها. وقد فرضت حالة الطوارئ في تونس بعد مجزرة سوسة الرهيبة التي قُتل فيها إرهابي مدرب في ليبيا 30 بريطانياً، لتشكل تلك المذبحة كارثة وطنية للبلدين، وكان طبيعياً لتونس اتخاذ إجراءات مؤلمة، ومنها إعلان حالة الطوارئ، أسفرت في شهرها الأول عن تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية ومصرع قيادات بارزة في جماعات متطرفة، ما يمثل تحقيق نتائج كبيرة أقلها منع تكرار عمليات أخرى، كان يمكن أن تحصل لو ظل الوضع الأمني على ما هو عليه.
قائد السبسي ومسؤولون كبار في الدولة صرحوا مراراً بأن البلاد دخلت في حرب على الإرهاب، وطالبوا جميع أطياف الشعب التونسي بأحزابه ومنظماته بالمشاركة في هذه المهمة الوطنية، وقد استجابت الأغلبية الساحقة لهذا النداء، وتمت المصادقة على قانون الإرهاب في مجلس النواب بأغلبية ساحقة، ولم يعترض عليه أي نائب باستثناء من احتفظ بصوته. ولكن المثير للانتباه أن بعض الشغوفين بمواقع «المعارضة للمعارضة» والتبرم من أي نظام يحكم، أصبحت تقارير مخاوفهم تعلو على تقارير الإطاحة بالجماعات الإرهابية، حتى أن بعضهم بدأ يحلم باندلاع «انتفاضة شعبية» لعلها تعيده إلى أضواء السلطة بعد أن لفظته صناديق الانتخابات في مناسبتين، الخريف الماضي.
المزيد: الديمقراطية التونسية في زمن «الدواعش»
من حق التونسيين النزهاء أن يتخوفوا على مكاسبهم التي تحققت بعد ثورة الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. فالمبادئ التي جاءت بالثورة وكفلها الدستور الجديد والهيئات الدستورية المنبثقة عنه لا يتجرأ أي كان على المساس بها، ذلك أن الواقع الحالي بدأ يؤسس لثقافة سياسية جديدة، تؤمن بدولة المواطنة وحق الاختلاف، والتعبير السلمي عن المواقف، وأساساً حرية الإعلام والتعبير. والواضح أن من يذهب إلى إثارة الفزع من عودة الديكتاتورية إلى تونس لا يريد أن يستوعب أن الظرف الصعب الذي تمر به البلاد يستدعي شدة أمنية، ويقظة دائمة، حتى لا يقع البناء على رؤوس الجميع. ورغم أن هذا الظرف الاستثنائي قد يعرف تجاوزات ما أو أخطاء، إلّا أنها ليست سياسة دولة أو منهجية حكومية، والحكم الأخير على أداء السلطة، وتقييم من يعارضونها يكون بعد انقضاء هذه الفترة الحرجة، وعندها سيتبين الواقع كما هو، وتنجلي حقيقة كثير من المخاوف المتساوقة مع الحرب على الإرهاب.
“الخليج”