لم تتعلم الجزائر من نتائج أضرار صدمة الثمانينات وتداعياتها، عندما حصل الانهيار الكبير لأسعار النفط عام 1986، وما نتج عنه من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، وتدهور المستوى المعيشي وارتفاع نسبة البطالة. كذلك لم تنفذ نصيحة صندوق النقد الدولي وتوصيات تقارير خبراء المال والاقتصاد، بإجراء سلسلة «إصلاحات هيكلية» تهدف الى تنويع النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل في القطاع الخاص وتحسين مناخ الاستثمار وتنويع قطاع الصادرات وجعله أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية. لذلك تواجه صدمة وصفها الخبراء بأنها «أخطر من صدمة الثمانينات».
المزيد: عـودة النفط الإيراني قد يؤزم وضعية الاقتصاد الجزائري
كشفت تلك الصدمة منذ أكثر من 29 عاماً، عن هشاشة اقتصاد الجزائر وضعف منظومته التي أصابتها اختلالات هيكلية، سواء في الميزان التجاري أو في ميزان المدفوعات، ووصل التضخم إلى 42 في المئة، وكذلك انخفض معدل النمو الاقتصادي في عامي 1986 و1987 إلى واحد في المئة، بعدما كان 3.5 في المئة عام 1985. وانهارت عائدات الصادرات أكثر من 42 في المئة لتبلغ 7.4 بليون دولار عام 1986، وساهم كل ذلك بارتفاع الدَين العام بحيث قفزت خدمته من الناتج المحلي من 8.27 في المئة عام 1986 الى 21.7 في المئة عام 1991، واضطرت الجزائر في ذلك الوقت الى طلب قروض ومساعدات خارجية وتبني خيار الإصلاحات من المؤسسات الدولية والتي كانت تعتبر ورقة ضغط خارجية عليها.
وعلى رغم تحملها نتائج تذبذب أسعار النفط في السنوات اللاحقة لأزمة الثمانينات، تمكنت الجزائر من تأمين عائدات مالية، مستفيدة من فترات ارتفاع الأسعار، خصوصاً عام 2008 عندما ارتفع سعر البرميل إلى 140 دولاراً، واستطاعت تسديد معظم ديونها التي كانت في العام 2000 نحو 20.4 بليون دولار، وانخفضت تدريجاً حتى أصبحت لا تزيد على 375 مليون دولار نهاية العام 2013.
وتبرز أهمية تراجع سعر البرميل وخطورته، في أن النفط وحده يمثل 70 في المئة من الموازنة العامة، و35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 97 في المئة من إجمالي الصادرات. وقد فشلت محاولات عدة في السنوات السابقة لإحداث تنويع اقتصادي لجهة تقليص الاعتماد على عائدات النفط والتركيز على الإنتاج الزراعي والصناعي، حتى أن الجزائر فشلت في استثمار فوائض عائدات النفط، في محاولة منها لتحقيق هذا الهدف.
ولوحظ أن بعض خبراء الاقتصاد، مع ازدياد عائدات النفط وتراكم الأموال في السنوات الماضية التي شهدت ازدهاراً مالياً، قالوا عن الجزائر التي يبلغ عدد سكانها نحو 39 مليوناً إنها «دولة فقيرة ولكنها تتصرف كالأغنياء»، حتى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أطلق خلال الحملة الانتخابية الرئيسية عام 2014 سلسلة وعود لتحسين مستوى المعيشة وتنويع المساعدات، وفي الوقت ذاته كان رئيس الحكومة عبد المالك سلال، يردد خلال المهرجانات في كل أنحاء البلاد «أن الجزائر دولة غنية وستستمر في تقديم الإعانات للمواطنين وتمويل مشاريع الشباب، ولو أنهم استخدموا هذه الأموال في شراء السيارات والزواج». وأثارت هذه التصريحات في حينه تعليقات كثيرة في الصحف وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، واعتبر ذلك تبذيراً لأموال الدولة.
كذلك وعدت الحكومة برفع الدخل الفردي للجزائريين من 5000 دولار الى 8500 دولار سنوياً ، لكنها لن تفي بهذا الوعد، لأن تحقيقه يتطلب نمواً اقتصادياً لا تقل نسبته عن 8 في المئة سنوياً لمدة خمس سنوات متتالية، بينما نسبة النمو المتوقعة للعام الحالي هي في حدود 2.6 في المئة. ومع تراجع عائدات النفط وارتفاع عجز موازنة الدولة للعام الحالي الى 57 بليون دولار، والبحث عن مصادر لسد هذا العجز واحتمال اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، سيضطر الرئيس الجزائري إلى التراجع عن معظم وعوده الانتخابية بعد مرور أكثر من سنة على فوزه بولاية رئاسية رابعة.
لا شك في أن اعتماد الجزائر في شكل مفرط على عائدات الطاقة بنحو 97 في المئة من إجمالي الصادرات، ساهم في ارتفاع العجز في الميزان التجاري والذي يتوقع أن يبلغ أكثر من 36 بليون دولار بنهاية العام الحالي، ما يمثل نحو 16 في المئة من الناتج المحلي، إضافة الى أن هذا البلد الذي كان يسجل فائضاً في الموارد يقدر بنحو 114 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013، يتوقع أن ترتفع مديونيته الخارجية إلى نحو 13.6 في المئة من الناتج المحلي هذه السنة.
وفي الفصل الأول من العام الحالي تراجعت إيرادات الجزائر من النفط والغاز بنسبة 50 في المئة بسبب تراجع الأسعار، ما دفع الحكومة الى اللجوء الى احتياط الصرف لدى البنك المركزي والذي انخفض بمقدار 19 بليون دولار، من نحو 179 بليوناً بنهاية عام 2014 إلى نحو 160 بليون دولار بنهاية آذار (مارس) الماضي، وكان يزيد على مئتي بليون في النصف الأول من عام 2014.
وتشير التوقعات الى أربع سنوات عجاف للجزائر وفقاً لتحذيرات صندوق النقد الدولي، الذي توقع أن يرتفع عجز ميزان المدفوعات إلى 19.2 في المئة بسبب تراجع عائدات النفط والغاز، ما يعجل في امتصاص الاحتياط النقدي الخارجي الذي سيكون عليه تمويل عجز في المشتريات بقيمة تفوق مئة بليون دولار، على أساس سعر نفط كانت حددته الحكومة بنحو 90 دولاراً ، وفي حال بقاء الأسعار بين 60 و70 دولاراً للبرميل، فإن الاحتياط النقدي قد ينفد تماماً عام 2020.
*كاتب وإعلامي اقتصادي/”الحياة”