أصبح الإجرام والعنف في المغرب،شبحا مخيفا يترصد خطوات الجميع،رجالا ونساء،شبابا واطفالا، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه بمنأى عن يد “التشرميل”، التي قد تفاجئه، في انعطافة زقاق، أو خروج من محطة، او مقر عمل،أو سوق، أو ملعب،أو أي مكان حتى ولو كان مزدحما بالناس،تحت جنح الليل، او في وضح النهار.
ولعل أسوأ ما يمكن أن يصيب أي مجتمع، هو أن يفتقد أفراده طعم الإحساس بالأمان على أنفسهم، وعلى أسرهم، وممتلكاتهم الشخصية التي قد تصبح عرضة للسلب والنهب، تحت التهديد بالسلاح الأبيض، في خرق سافر للقانون، في جو يعطي الانطباع بسيادة الفوضى والتسيب.
ليس في الأمر أي تهويل أو مبالغة،بل إن هذا هو الواقع، كما يعيشه الناس، مع كامل الأسف الشديد،في الشارع والسوق والساحة العمومية.
لقد “تطورت ” الجريمة في المغرب بشكل فظيع ومتسارع، كأنها غول أطلق سراحه، وطفق يهاجم الجميع،بدون شفقة ولارحمة.
وتكفي إطلالة سريعة على مواقع التواصل الاجتماعي وأعمدة الصحف اليومية،لأخذ نظرة كافية،عن انتشار مظاهر الجريمة.
مؤخرا، وفي أول سابقة من نوعها، نشر أن عصابة روعت قطارا بكامله، بهجومها على ركابه، وخاصة النساء،وسلبها لممتلكاتهن الشخصية، من هواتف وساعات وأموال، قبل أن تقفز من العربات وتلوذ بالفرار، دون أن يتم القبض عليها، في مشهد بدا كأنه مقتطف من فيلم أمريكي قديم في تكساس أوغيرها.
للمزيد من التفاصيل:خطير.. عصابة تشهر أسلحة بيضاء داخل القطار و تجرد المسافرين من ممتلكاتهم !!
وهكذا،لم يعد “مسرح الجريمة”،بتعبير التلفزيون، وقفا على “الأوطو روت”، من خلال رشق عصابات اللصوص للسيارات بالأحجار،لإرباك سائقيها، والاستيلاء على كل ما في حوزة الراكبين معهم،والاعتداء عليهم،بل تعدى ذلك،ليشمل القطار، وكأن البلد تحول إلى رهينة في أيدي “المشرملين” و”المقرقبين” وقطاع الطرق.
خطير،خطير شيء خطير فعلا،أن يسود الإنفلات والإجرام بلدا آمنا ومستقرا مثل المغرب، الذي تجد سلطاته وأجهزته الأمنية نفسها مدفوعة إلى التصدي لهذه الظاهرة من خلال رصد أموال طائلة لتكريس الأمن ومحاربة الجريمة، وهي مبالغ كان يمكن صبها في مجالات أخرى،ذات طبيعة اجتماعية كالتعليم والصحة وإنعاش التشغيل ..
ومن يقرأ تقريرا منشورا اليوم في بعض الصحف اليومية،سوف يصاب بالصدمة،نتيجة المعطيات الواردة فيه، فقد أنفق المغرب في السنة الماضية مايفوق 16 مليار دولار (130 ملياردرهم) في سبيل حماية الأمن، وهو نفس المبلغ الذي خصصه سنة 2014 للتصدي للجريمة والعنف.
يشار إلى أن هذا التقرير أصدره معهد الاقتصاد والسلام البريطاني، احتل فيه المغرب الرتبة 91 ضمن 163 دولة، وكانت من بين خلاصاته أن كلفة محاربة العنف تقدر ب6.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويبقى السؤال المزعج الذي يؤرق الجميع، هو :كيف يمكن القضاء على الجريمة، أو الحد من معدلاتها ؟
الأكيد أن تشخيص مكامن الداء هو أول خطوة على طريق العلاج.وأسباب الجريمة يعرفها الجميع، وهي متعددة،وتتداخل فيها عوامل كثيرة، من بينها الجهل والفقر والهدر المرسي والهجرة من القرية إلى المدينة، وتناسل أحزمة دور الصفيح المحيطة بالمدن،والبطالة والهشاشة، وتنامي الفوراق الطبقية والاجتماعية بين الجهات والأفراد.
يضاف إلى ذلك كله، انتشار هذه الآفة الخطيرة التي هي سبب كل بلاء، ألا وهي ظاهرة المخدرات، التي تجعل الشباب المغربي يفقد عقله، ويخرج من بيته إلى الشارع حاملا سيفه،ملوحا به،مثيرا حالة من الرعب وسط الساكنة.
والخلاصة،أن حماية المجتمع من العنف ليس مسؤولية الأجهزة الأمنية وحدها فقط، رغم أهمية دورها المحوري والأساسي، ولكن المسألة تهم أيضا رجال ونساء التربية، وعلماء الدين والاجتماع،ومكونات المجتمع المدني،وقبل ذلك كله،الحكومة بمختلف قطاعاتها الصحية والاجتماعية والاقتصادية، وخاصة على مستوى تساوي الفرص في التعليم والشغل.