يبدو أن الحرب على مخطط وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط “لفرنسة” التعليم الجزائري، لا تزال في بدايتها، وأبعد ما تكون من إعلان الوزيرة ومعسكرها الانتصار في فرض اللغة الفرنسية ضدا على الإرادة الشعبية لمعظم الجزائريين. فيديو من دقيقتين لمعلمة في أحد مدارس باتنة الابتدائية، تسأل الأطفال عن لغة أهل الجنة، ليكون الجواب: اللغة العربية، لتقول لهم بعدها أن الحديث سيكون بالعربية هذا العام، في تحد واضح لمخططات الفرنسة المعلنة، هذا الفيديو، كان كفيلا بإشعال نار التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي. نار سرعان ما زاد لهيبها عندما تصدت بن غبريط للمعلمة وتوعدتها بمجلس تأديبي بحجة أنها صورت الأطفال في القسم متحدثة إليهم وهي تدير لهم ظهرها، معتبرة أن هذا السلوك غير تربوي، لتتحول صفحات الفيس بوك وتويتر إلى ساحات تضامن مع المعلمة الشابة صباح بودراس، وتتجدد الهجمات على الوزيرة “الفرانكوفونية”.
هذه الحادثة، وحملة التضامن الشعبية الواسعة من قبل رجال التعليم الذين نشروا صورا مماثلة، ومن قبل مواطنين عاديين، وبلاغ جمعية العلماء المسلمين، إذا ما أضيفت إلى استطلاع الرأي الذي نشر نتائجه موقع “سي أن أن عربية” والذي يظهر أن أزيد من 95 بالمائة من الجزائريين يحبذون اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى بدلا من اللغة الفرنسية، التي يعتبرها معظم الجزائريين “لغة ميتة”، ناهيك عن الحساسية الإستعمارية الموجودة لدى عموم الناس؛ كل هذه العوامل تظهر أن معركة بن غبريط حتى وإن حظيت بالدعم من قبل أعلى السلطات والمتنفذين في البلاد، فهي أبعد ما تكون عن النجاح بسبب هذا الرفض الشعبي الجارف، والطريقة المتفردة التي تدير بها الوزيرة الأمر، مستعينة بلجنة من الخبراء الفرنسيين، دون إشراك الفعاليات الوطنية، في تقرير أمر حاسم للمنظومة التربوية الجزائرية.
معركة بن غبريط، ربما تكون مجرد واحد من عناوين كثيرة تتفاعل داخل هذه المستعمرة الفرنسية السابقة، التي يوجد بها رأي عام كبير يحاول الفكاك من أسر الهيمنة والنفوذ الفرنسيين، في التعليم والثقافة والاقتصاد والسياسة، بعد أن نجح الجيش مؤخرا في تقليص النفوذ الفرنسي داخله، وفكك جهاز المخابرات العسكرية بقيادة الفريق محمد مدين (توفيق) الذي يعتبر أهم قلاع النفوذ الفرنسي بجانب القصر الرئاسي، لتتركز العيون على مآل هذه الحرب الدائرة بشكل غير معلن، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه، تحديدا في معركة خلافة الرئيس “العاجز” عبد العزيز بوتفليقة.
وهكذا، وأمام تربة متلهفة لمثل هذا النوع من الحملات والتحديات، تبدو معركة التعريب والفرنسة، مرشحة لمزيد من الالتهاب والتمدد، بين معلمة بسيطة يساندها شارع عريض وسلاح فتاك هو وسائل التواصل الاجتماعي، ووزيرة تعليم قوية تساندها أعلى مراكز النفوذ في البلاد، وبيدها سلطة القرار، حيث أن فيديو صباح بودراس ما هو إلا رمز لحرب حقيقية، لا يبدو أنها ستشهد نهاية قريبة.