لعل هذا هو أغرب برلمان في العالم مادام المنتسبون إليه من نواب ومستشارين قد غادروا تلك البناية المنتصبة، وسط شارع محمد الخامس، وتركوها فارغة، تجتر الصمت، تماما مثل البناية القديمة الأخرى، المقابلة لها، “باليما” التي أغلقت أبوابها في وجه روادها، بعد أن كانت تعج بالحركة والحياة، وتضج بإشاعات الصالونات السياسية.
لقد مضى حتى الآن، أكثر من شهر على افتتاح هذه المؤسسة التشريعية، من طرف الملك محمد السادس بخطاب صريح وواضح حول أعطاب الإدارة المغربية، كان لصداه الأثر الكبير في نفوس المواطنين، الذين طالما عانوا الأمرين من البيروقراطية والروتين الإداري، وغيرها من الأمراض التي لاتخفى على احد.
وفي الوقت الذي كان فيه المواطنون ينتظرون من نوابهم وممثليهم في البرلمان أن ينكبوا على دراسة واقع هذا القطاع العمومي الذي تطرقت إليه أعلى سلطة في البلاد، من أجل إيجاد استراتيجية كاملة، تجعله في خدمة الشعب، فإذا بهم ينصرفون إلى قضاء عطلة مؤداة الأجر عنها، وهم لم يباشروا بعد اي عمل على الإطلاق، يستحقون عليه ذلك المقابل المادي.
أليس هذا أغرب برلمان في العالم، إذ يتقاضى نوابه ومستشاروه كل شهر رواتب خيالية، تبلغ حسب بعض الإحصائيات، حوالي ملياري سنتيم شهريا، في شكل اجور تقتطع بصفة منتظمة من خزينة الدولة.
كثيرون يتساءلون بنوع من الاستغراب: إذا كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المعين، حريصا، كما يقول للمركزيات النقابية، على ربط الأجرة بالعمل، وحازما في اقتطاعها من رواتب الموظفين رغم هزالتها عند خوضهم الإضراب، فلماذا لايتم التعامل مع البرلمانيين بنفس المعاملة؟ لماذا هذا الكيل بمكيالين؟!
وحتى علاقات أعضاء مجلس النواب بعموم المواطنين انقطعت بمجرد إعلان النتائج التي أسفرت عنها تشريعيات السابع من اكتوبر؟ أين تلك الوعود بنهج سياسة القرب والتواصل باستمرار؟ أين تلك الشعارات التي كانت توزع بسخاء مع المطبوعات؟ كل تلك الكلمات المعسولة والابتسامات الزائفة تبخرت مثل فقاعات في الهواء.
الناس الذين ادلوا بأصواتهم في صناديق الاقتراع، أصيبوا بالضجر وهم يتابعون، عبر وسائل الإعلام، هذا المسلسل الطويل من المشاورات لتشكيل الحكومة، وتكوين الأغلبية في البرلمان.
لعل هذا التعامل اللامسؤول مع العنصر الزمني في الحسم مع مقتضيات العمل السياسي، والالتزامات إزاء مصالح المواطنين، هو الذي يدفع إلى غرس العزوف في النفوس عن المشاركة في كل الاستحقاقات والمحطات الانتخابية.
في مثل هذا الوقت بالضبط،كان يتعين على البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية،ولجانه القطاعية، وفرقه البرلمانية،أن يكون في نقاش مستفيض حول مشروع قانون الميزانية الجديد، ولكنه حتى اللحظة مازال أسير الإشاعات حول المشاورات،في انتظار التعرف على هوية رئيس مجلس النواب: هل هو الحبيب المالكي أو حميد شباط أو محمد يتيم، أوغيرهم من الطامحين إلى هذا المنصب الرفيع في تراتبية هرم الدولة.
للمزيد من التفاصيل:صحف الصباح: التحالفات تحسمها معركة رئاسة مجلس النواب ..واللغات عائق أمام حميد شباط