خبر محزن حتى النخاع، فقد تحدثت بعض التقارير الإعلامية، أمس الثلاثاء، عما سمته وقوع انهيار في مبيعات الجرائد اليومية الورقية في الأكشاك برسم سنة 2015، وخاصة منها منها تلك المسماة المستقلة.
ورغم أن نتيجة هيئة مراقبة انتشار الصحف الورقية في المغرب،كانت متوقعة أمام طغيان وسائل الاتصال الحديثة، وتزايد عدد المواقع الاليكترونية، بفعل انتشار شبكة الانترنيت ودخولها كل بيت، ووصولها إلى كل مكان، عبر الحواسيب المحمولة واللوحية وأجهزة الهواتف الذكية، وغيرها، فإن أي أحد لا يريد للصحف الورقية أن تتعرض للخسارة، بسبب تقلص حجم المبيعات.
ولا تتوقف معاناة المنابر الإعلامية المكتوبة عند المنافسة غير المتساوية مع الصحافة الاليكترونية، وتضاؤل حجم مدخولها من وراء المبيعات، وارتفاع سقف المصاريف التي تتطلبها عملية الإنتاج، ( المقر، أجور المحررين والتقنيين، تكاليف الطباعة، الورق، الماء والضوء والتلفون، الى آخره)،بل إن الأمر يمتد ليشمل أيضا ضعف الإشهار، إن لم نقل إنعدامه بصفة نهائية، على امتداد الأيام والفصول، ليبقى الحصول عليه أحيانا من سابع المستحيلات.
ولطالما ارتفعت أصوات من أعماق ناشري الصحف الورقية، الذين يتحملون الكثير في سبيل الاستمرار في ضخ الدماء في إصداراتهم لإخراجها من غرفة الإنعاش، مطالبين بالرفع من قيمة الدعم المادي الذين يتوصلون به من طرف الحكومة، لمواجهة التحديات التي تحيط بهم من كل جانب.
ولاشك أن معالجة المشاكل التي تلقي بظلالها الرمادية الثقيلة على الجسم الصحافي المغربي، تقتضي مقاربة شمولية تستهدف الإحاطة بها من جميع جوانبها، عبر الحوار والتشاور والتواصل،بدءا بالعناية بالعنصر البشري، الذي يعتبر الاهتمام به وتحفيزه على العطاء، هو أساس نجاح كل مشروع إعلامي.
للمزيد من التفاصيل: إنطلاق العمل في المغرب بعقد البرنامج الجديد لدعم الصحافة المكتوبة
ولايتسع المجال هنا لاستعراض كل ماتعرفه الصحافة الورقية من مصاعب ومتاعب، وهي كثيرة، وتعرقل أداءها، وتحول بينها وبين الدور الذي يمكن أن تقوم به كرقيب حقيقي يروم تقويم الاعوجاجات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ولعله من باب الإنصاف، الاعتراف بأن الصحافة الورقية هي جزء لايتجزأ من ذاكرة الشعب المغربي وتاريخ نضاله من أجل الحرية والديمقراطية، قبل ميلاد الصحافة الرقمية، وهي المرآة التي تعكس أيضا مراحل نموه وتطوره، وتطلعه لحياة ترتقي إلى مستوى أحلامه وحقوقه وطموحاته.
ومن هنا، وجب الحفاظ على الصحافة المكتوبة، وذلك بمدها بكل أسباب الدعم من أجل أن تتطور أكثر، وتغير جلدها شكلا ومضمونا، وتتماشى مع إيقاع هذا العصر اللاهث، لكسب ود قرائها، وترسيخ العلاقة اليومية معهم، على أسس صلبة البنيان.
والخلاصة، إن الصحافة الورقية والرقمية تكملان بعضهما البعض، ويمكن لهما أن تعيشا في وئام وانسجام، شريطة ان تعرف كل واحدة منهما وظيفتها وحدودها واختصاصها، لاسيما وأن لكل منهما آلياتها ووسائلها في التواصل مع المتلقي، وبالتالي فإن الإعلام المغربي لن يحلق عاليا إلا بهذين الجناحين، دون التخلي أو التفريط في أي واحد منهما، مع ضمان شرطي التنافسية والجودة.