حفل خطاب ذكرى المسيرة الخضراء الذي ألقاه الملك محمد السادس من مدينة داكار، عاصمة السنيغال، والقلب النابض لإفريقيا، برسائل سياسية مهمة، سواء منها ما يرتبط بالملف الإفريقي أو بالشأن السياسي الوطني، وخاصة منها ما يتعلق بموضوع عقلية الغنيمة.
الملك محمد السادس، وكعادته في كل خطاباته التي تتسم بالحس النقدي الذي يروم التوجيه والإصلاح، أثار نقطة من الأهمية بمكان، وهي الدعوة إلى عدم توزيع المقاعد الوزارية بعقلية الغنيمة الانتخابية.
قال الملك بالحرف، كما تابع ذلك المشاهدون، وكأنه يوجه الكلام إلى عبد الإله بنكيران، المكلف بتكوين الحكومة التي طال انتظار تشكيلها:” إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية،وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية.بل الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية”.
وبدا الملك محمد السادس وهو يتحدث في هذا الموضوع، بتلك اللهجة القوية والحازمة، كأنه يتكلم فعلا بلسان كل المواطنين المغاربة، معبرا بصدق وتفاعل عن احاسيسهم، وهم يتابعون عبر مختلف وسائل الإعلام، أصداء الطريقة التي تدار بها المشاورات لتشكيل الحكومة المقبلة.
إن مايتسرب من تلك المشاورات من أخبارحول تشكيل الحكومة، ومايجري النقاش بشأنه بشكل أساسي، يتعلق فقط بكيفية اقتسام الحقائب الوزارية، إرضاء لأنصار وأتباع الأحزاب، بدل الانكباب على البرامج والمشاريع التي تخدم المصلحة العامة للبلاد، ولذلك دعا الملك بصريح العبارة إلى القطع مع عقلية الغنيمة.
الآن، وفي ضوء الخطاب الملكي الداعي إلى حكومة ذات “هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات”، ومع إبداء حرصه على أن يتم تشكيلها، “طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة”، مع التعهد بعدم التسامح مع أية محاولة للخروج عنها، فإن بنكيران مطالب اليوم قبل الغد، مادام مكلفا بتكوينها، بأن يعيد النظر في مقاربته حتى يستجيب لانتظارات المواطنين المغاربة، كي تكون “الحكومة المقبلة في مستوى هذه المرحلة الحاسمة”.
للمزيد من التفاصيل:محلل: هذه رسائل الملك محمد السادس لبنكيران قبيل تشكيل الحكومة الجديدة
لقد جاء هذا التنبيه الملكي في خطاب عيد المسيرة من مدينة داكار واضحا، وضوح الشمس في يوم صاف مشرق، ولا يحتاج إلى تفسير أو شرح أو تحليل أو تأويل، فقط يتعين على الطبقة السياسية التي يعنيها الأمر أن تستوعب هذا الدرس الجديد جيدا، وأن ترتفع بسلوكها إلى مستواه، وخاصة منها تلك الأحزاب التي لاتفكر سوى في المناصب والمكاسب والمغانم.