في مثل هذا اليوم من سنة 1975 كان المغرب، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، يعيش وسط أجواء من الحماس والتعبئة، حدثا تاريخيا بكل المقاييس، غير مسبوق، تابعه العالم باهتمام كبير، يتعلق الأمر هنا، طبعا بملحمة المسيرة الخضراء، التي شكلت منعطفا حاسما في تاريخ الكفاح السلمي من أجل الوحدة الترابية للوطن.
مسيرة سلمية، حمل المشاركون فيها، وعددهم 350 ألف مواطن ومواطنة من جميع أقاليم المملكة وجهاتها القرآن الكريم، ورفعوا الرايات التي كانت ترفرف عاليا في الفضاء، وانطلقوا في نظام وانتظام ، كما طلب منهم ذلك الراحل الحسن الثاني،يوم سادس نونبر مكسرين الحواجز الوهمية التي كانت تفصلهم عن جزء غال من ترابهم، متمثلا في الصحراء المغربية.
هذه المسيرة الخضراء التي خلقت مغربا جديدا، كما قال آنذاك العاهل المغربي الراحل، بعد أن أدت مهمتها، ستبقى خالدة في ذاكرة الأجيال، ولن تنمحي أبدا، وستظل رمزا من رموز إرادة الشعب حين ينصهر في كتلة واحدة من أجل الدفاع عن قضاياه وثوابته الوطنية الراسخة.
ويكتسي الاحتفال بذكرى المسيرة الخضراء، هذا العام، دلالة خاصة، ألا وهو تكريس البعد الإفريقي من خلال السعي إلى استعادة الحضور المغربي في افريقيا، علما بأنه لم ينفصل عنها يوما، بل ظل محافظا على جسور التواصل والتعاون مع بلدانها، رغم انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، سنة 1984، حين انحرفت عن الشرعية، وقبلت وسطها كيانا وهميا، لاوجود له إلا في أذهان حكام الجزائر الذين خلقوه، ووفروا له كل أشكال الدعم اللوجستيكي، على حساب قوت شعبهم.
وما وجود الملك محمد السادس اليوم في السنيغال، وإلقاؤه لخطاب ذكرى المسيرة الخضراء لأول مرة في التاريخ ، من خارج المملكة، إلا دليل قوي وملموس على أن الدبلوماسية الجديدة التي يخوضها المغرب في قلب افريقيا، لها أبعاد لاتخفى أهميتها على أحد، إذ تصب في المنحى الذي يخدم تقوية علاقاته مع القارة السمراء في جميع المجالات السياسية والاقتصادية.
للمزيد من التفاصيل: الملك يلقي خطاب الذكرى ال41 للمسيرة الخضراء من السينغال
إن احتفال المغرب اليوم بمرور واحد واربعين سنة على استعادته لصحرائه بفضل تلك الملحمة الشعبية السلمية، واستنادا على الشرعية الدولية، التي أبرزت عن طريق محكمة لاهاي الدولية، حقه في أرضه، يشكل في العمق أحد مظاهر الوفاء لقسم المسيرة الخضراء، الذي ردده الجميع، عن إيمان ووعي واقتناع بالاستماتة في الدفاع عن كل حبة رمل من رمال أقاليمه الجنوبية.
وسيظل المغرب دائما في حالة تعبئة في جبهة داخلية موحدة، لمواجهة كل التحديات المتمثلة في مناورات خصومه وأعداء وحدته الترابية، إدراكا منه أنهم مازالوا يحاولون، في المنتديات الدولية، نسج خيوط مؤامراتهم الدنيئة، رغم علمهم أنها مثل سابقاتها، سوف ينكشف أمرها أمام ضوء الحقيقة الساطعة مثل نور الشمس الوهاج في قلب الصحراء المغربية.