بعد خطاب المسيرة في العام الفائت، من مدينة العيون، اكبر حواضر الصحراء المغربية، وما صاحبه من قرارات ومشاريع اقتصادية واجتماعية، تهدف إلى تنمية وتطوير الأقاليم الجنوبية للمملكة، اختار الملك محمد السادس، هذه السنة، وفي أول سابقة من نوعها، مدينة دكار، ليلقي منها خطاب هذه الذكرى الوطنية، وقد جاء متضمنا للكثير من الرسائل والدلالات السياسية.
ولذلك، فقد كان من الطبيعي أن يتوقف الملك عند خطاب المسيرة من العيون، وخطاب عاصمة السنيغال، ليقول للشعب المغربي:”إذا كنت قد خاطبتك، في مثل هذا اليوم من السنة الماضية من العيون، بالصحراء المغربية، فإني أخاطبك الآن من قلب افريقيا، حول الصحراء المغربية”.
والواقع أنه لابد من التأكيد على أن اختيار دكار كمنبر لإلقاء خطاب المسيرة له مبرراته، كما شرحها الملك في خطابه، ويكفي أن يكون من بينها،كما يعرف الجميع، وقوف السنيغال دائما إلى جانب المغرب في قضية وحدته الترابية، منذ اندلاع هذا النزاع المفتعل في الصحراء منذ أكثر من أربعين سنة.
للمزيد من التفاصيل:الملك محمد السادس يكشف أسباب اختيار السنغال لإلقاء خطاب المسيرة الخضراء
وقد تزامن هذا الحدث التاريخي مع تزايد الحضور المغربي في افريقيا، من خلال نهجه لسياسة دبلوماسية خارجية، بقيادة الملك محمد السادس، عبر رحلاته إلى غرب افريقيا وشرقها، وقريبا نحو جنوبها، في تحول جديد يقوم أساسا على المبادرة، وعلى التحرك الفعال في أعماق القارة السمراء، التي طالما عبر عن تشبثه بالانتماء إليها.
وهاهو المغرب اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، يعود إلى افريقيا بقوة، على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال العديد من الشراكات والاتفاقيات التجارية والتنموية، من أجل ربح التنمية المشتركة.
وتأكيدا لهذه القناعة الراسخة بأهمية ترسيخ الانتماء إلى افريقيا، والدفع بها نحو ارتقاء مدارج الارتقاء الاقتصادي والادجتماعي، تأتي دعوة الملك لرؤساء الدول الإفريقية للاجتماع مع الممولين الدوليين، يوم 16 نونبر الجاري، بمدينة مراكش، بمناسبة قمة المناخ.
ولاشك أن كل متابع لسياسة المغرب نحو افريقيا، يدرك جيدا أن هذا التوجه نحوها يأتي انسجاما مع مبادئه وقناعاته، ومواقفه المعبر عنها، وضمنها الخطاب الملكي من أبيدجان، الذي دعا افريقيا إلى أن تثق في افريقيا، خاصة وأن لديها كل الموارد البشرية والمؤهلات الطبيعية لأن تتقدم نحو الأمام، وتلحق بركب النماء والتطور.
والمغرب الذي يسعى جاهدا لأن يكون فاعلا قاريا في علاقاته الدولية، ينطلق في ذلك أساسا من رغبته في استرجاع مقعده في الاتحاد الإفريقي، وهو ما عبر عنه الملك، عند تطرقه للموضوع بقوله:”عندما نخبر بعودتنا، فنحن لا نطلب الإذن من أحد، لنيل حقنا المشروع، فالمغرب راجع إلى مكانه الطبيعي، ويتوفر على الأغلبية الساحقة لشغل مقعده داخل الأسرة المؤسسية”.
كلام صريح وواضح وحازم ومنطقي، ولا مجال فيه لأي التباس، وهو بمثابة الرد الحاسم على كل خصوم الوحدة الترابية، أولئك يشككون في عودة المغرب، إلى البيت الإفريقي محاولين بشتى الأساليب عرقلتها، بادعاءات واهية لن تصمد أبدا أمام مطلبه المشروع.
إقرأ أيضا: الملك محمد السادس: المغرب لن يطلب الإذن من أي أحد للعودة إلى الاتحاد الإفريقي