لا زالت العملية التطهيرية اللوجستية التي شرعت بها أجهزة الدرك والجمارك المغربية من أجل تطهير منطقة الكركرات من بؤر التهريب والتبادل التجاري غير المشروع مستمرة، مسفرة حتى الآن، عن انتهاء الشق الأول بتطهير ثلاث بؤر تشتمل على أكثر من 600 سيارة تم احتجازها، واحتجاز عدد غير محدد من المهربين، والقضاء التام على الأنشطة غير المشروعة التي كانت تمارس فيها. عملية تحاول “مشاهد24” تقريبها من الرأي العام (بالصور)، لتبيان أبعادها الهامة والاستراتيجية بالنسبة للمغرب.
عملية أدخلت قيادة عصابة البوليساريو في حالة هستيريا، تطلبت مخاطبة زعيمها الجديد ابراهيم غالي للأمم المتحدة مرتين، مع اجتماع “وزير دفاعها المزعوم” عبد الله لحبيب، ومدير أجهزتها الأمنية ابراهيم محمد محمود “أكريكاو” مع مسؤول بعثة المينورسو بمخيمات تيندوف يوسف جديان، لمطالبة الأمم المتحدة بالعمل على الوقف الفوري للأشغال الجارية في منطقة الكركرات، وإرجاع أليات الهندسة التي تقوم بتهيئة الطريق الحدودي بين المغرب وموريتانيا، وقوات الدرك التي تحرسها، مدعين أن المغرب يخرق بعمليته هذه وقف إطلاق النار!!
بالمقابل، قامت الأمم المتحدة وعلى لسان الناطق باسمها بالرد على هذه الرسائل وتكذيب هذه الادعاءات، بتأكيد أنها لم تلحظ أي تواجد لقوات أو آليات عسكرية في المنطقة، بما يجرد الحديث عن خرق وقف إطلاق النار من أي معنى أو سند. رد ستعرف اليوم الجمعة مستجداته، عندما يتقدم مساعد الامين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، الموريتاني القاسم وين بتقرير حول ملاحظات أفراد بعثته في المنطقة، وذلك استجابة لطلب إحاطة من فنزويلا، المتحدثة باسم البوليساريو في مجلس الأمن.
للمزيد: المينورسو وموريتانيا يكذبان ادعاءات البوليساريو
لكن، ما الذي يجعل من عملية تطهيرية مغربية لمكافحة شبكات تهريب البضائع والسلاح والبشر، وتجنيد الإرهابيين، للحفاظ على أمنها، بتنظيف منطقة يعلم القاصي والداني أنها موبوءة، بدليل أنها أسفرت خلال ساعات عن احتجاز 600 سيارة في ثلاث بؤر فقط، وعدد غير محدود من المهربين، دون الحديث عن عشرات الأفراد والسيارات التي هربت نحو الجانب الموريتاني من الحدود، نقول، ما الذي يجعلها عملية مزعجة إلى هذه الدرجة بالنسبة للبوليساريو وحلفائها؟
بداية، وربما الأهم، هو مكانها. فالعملية تجري (كما تبين الصور) في جزء كبير منها جنوب الجدار الامني، الأمر الذي يعتبر بالنسبة للبوليساريو وصانعيها سابقة، تكرس حرية حركة المغرب في كامل أرضه، وتعري دعاية عصابات البوليساريو المرتكزة على كون المناطق الصحراوية جنوب وشرق الجدار الامني هي “مناطق محررة”، ويظهر عجزها عن التصدي لكل حركة يجدها المغرب ضرورية لأمنه القومي. عدم الاعتراض، ورفع الصوت بالصراخ ومطالبة الأمم المتحدة ومجلس أمنها بالتدخل، قد يغري المغرب (من وجهة نظر البوليساريو) بتكرار الأمر، بما يضع قواعد جديدة في الصراع ليست في صالحهم بالمطلق.
ثاني الأسباب، وأوضحها ربما، هو أن العملية المغربية المذكورة، قد قضت على مورد دخل أساسي لعصابات البوليساريو، بحرمان قادتها ومشغّليهم من ريع شبكات الاتجار في السلع والبشر والسلاح، ومداخيلها المليونية، مستغلة قدرتها على التحرك الحر في المنطقة، وتقاطع مصالح شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة الناشطة بين موريتانيا والجزائر ومالي.
أخيرا، وبانتهاء العملية، وشروع الأجهزة الهندسية المغربية بتعبيد الطريق من الكركرات وحتى الحدود الموريتانية، ووضع سياج مزود بوسائل حماية، وتنظيم العبور فيها، يكون المغرب قد ضرب عدة عصافير بحجر واحد: تكريس حقه في الحركة بحرية في كامل ترابه الوطني، شمال وجنوب وشرق وغرب الجدار الامني الذي أقامه داخل صحرائه، حسب ما تمليه مصلحته، وتطهير بؤرة خطيرة كانت مصدر تنبه دائم للأجهزة الأمنية المغربية، وإيقاف أنشطة التهريب التي كانت تشكل مصدر إزعاج، وأخيرا، تنظيم التنقل بين المغرب وموريتانيا عبر هذه النقطة الرئيسية التي تشهد سنويا دخول أزيد من 30 ألف سيارة وخروج ضعف هذا العدد، ناهيك عن دخول قرابة المائة ألف شخص وخروج أزيد من 130 ألفا، وذلك عبر تمكين مستخدمي هذه النقطة الحدودية من تجهيزات طرقية وجمركية في مستوى لائق.