لايفكر شيوخ الأحزاب في مغادرة مناصبهم القيادية أبدا، مهما طال بهم العمر، وتسربت كل أمراض الشيخوخة والوهن إلى مفاصلهم، اعتقادا من كل واحد منهم، عن خطأ، انه الزعيم/ الضرورة، الذي لاتستقيم الحياة السياسية بدونه!.
وتبدو هذه الظاهرة جليا عند كل استحقاق انتخابي جديد، فهؤلاء الأمناء العامون للأحزاب، هم الذين يتصدرون المشهد السياسي، وهم الذين يترأسون التجمعات الجماهيرية في الحملات الانتخابية، وهم الذين يفاوضون وزارة الداخلية حول ضرورة الرفع من ميزانية الدعم المادي، وهم الذين يحسمون في اختيار المرشحين، وباختصار شديد، هم الكل في الكل، لا كلمة تعلو على كلمتهم.
قليلون جدا، هم أولئك الذين تخلو عن مناصب الزعامة الحزبية، إما تحت ضغط بعض الإكراهات، أو طواعية منهم، ومن بين هؤلاء محمد بوستة، الأمين العام الأسبق لحزب الاستقلال، ومحمد سعيد أيت أيدر، المقاوم والمناضل السياسي، وزعيم حزب اليسار الاشتراكي الموحد، قبل تسليم المشعل لمحمد مجاهد، وعبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول لحكومة التناوب، والكاتب الأول سابقا للاتحاد الاشتراكي، واسماعيل العلوي الذي خلفه نبيل بنعبد الله، على رأس ” التقدم والاشتراكية”، وأحمد عصمان، مؤسس ورئيس التجمع الوطني للأحرار، والذي ينعم حاليا بتقاعد سياسي مريح، بعيدا عن تقلبات الطقس السياسي وتحولاته المزاجية.
ولعل اطول مرحلة في تدبير حزب سياسي مغربي، هي تلك التي حققها الراحل علي يعته، وذلك منذ تأسيس الحزب في الأربعينيات، إلى سنة 1994 من القرن الماضي، فقد كان رحمه الله هو الأمين العام، وهو مدير جريدة ” البيان”، الناطقة بلسان الحزب، بنسختيها العربية والفرنسية، وهو ممثله ونائبه في البرلمان، لكنه، والحق يقال، كان حاضرا دائما، بمواقفه وبمشاركته في النقاش السياسي، وبدفاعه المستميت عن قضايا الأمة وثوابتها.
ولايمكن أبدا إغفال تجربة المحجوبي احرضان، أطال الله في عمره، فقد استطاب الجلوس مطولا، فوق كرسي قيادة حزب الحركة الشعبية، منذ تأسيسها، بعد الاستقلال، فكان هو الآخر، زعيمها ومدير إعلامها وأرشيفها المتحرك، والناطق الرسمي بلسانها، قبل أن تطرأ بعض المستجدات، التي قد يطول الوقوف عندها، ويتسلم محند العنصر، قيادة الحزب، حتى الآن.
والتعلق بالقيادة ليس وقفا على الزعامات الحزبية، بل انه يمتد ليشمل زعماء على رأس المركزيات النقابية، ومن اشهرهم نوبير الأموي، الذي مازال متمسكا بالكونفيدرالية الديمقراطية للشغل، منذ تأسيسها، رغم أن الرجل، بحكم السن والأمراض، شافاه الله، لم يعد قادرا على مسايرة إيقاع العمل النقابي، بما في ذلك العجز عن المشاركة في استعراضات فاتح ماي.
ومهما اختلفت الأراء بشأن تقييم حزب الأصالة والمعاصرة، فإنه في نظر المتتبعين، يبقى هو الحزب السياسي المغربي الوحيد حتى الآن، الذي تناوب على زعامته، في ظرف زمني وجيز، أكثر من أمين عام، بدءا بحسن بنعدي، ومرور بالدكتور محمد الشيخ بيد الله، ومصطفى باكوري، ووصولا إلى إلياس العماري، الأمين العام الحالي.
ولطالما كانت ظاهرة شيخوخة الزعامة الحزبية مثار انتقاد الباحثين والأكاديميين، لأنها تعرقل التداول الديمقراطي، وبالتالي تحول دون تجديد النخب ووصول الشباب إلى مراكز القرار السياسي، وضمن هؤلاء سمير بودينار، رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، الذي قال في تصريح لموقع ” مشاهد24″، إن الأمور مرتبطة بالسياق الاستثنائي لنشأة الأحزاب وظروفها التي لم تستطع معها بناء شرعيات قيادة بديلة، فظلت أسيرة ما سماه ب”حال الاستثناء”، مشيرا في نفس الوقت إلى عدم فاعلية التكوين والنشأة السياسية داخل الأحزاب، مما أدى إلى عدم قدرتها على إنتاج نخب سياسية في شكل قيادات حزبية بديلة.