بقلم: هيثم شلبي
منذ شهر تقريبا، لا حديث لوسائل إعلام جنرالات الجزائر، وبعض وسائل الإعلام الدولية التي تتعامل معها، سوى عن حرب “وشيكة” مع المغرب!! حرب تحتاج فقط لمبرر من أجل أن تشتعل، دون أن يعرف أحد أهدافها على وجه الدقة! أخبار تجد صداها في تعليقات بعض وسائل الإعلام المغربية، لا سيما في وسائل التواصل الاجتماعي، مع التزام الجانب الرسمي الصمت حتى الآن، باستثناء التحذير من “مؤشرات تدل على رغبة الجزائر في إشعال حرب بالمنطقة، والدخول في مواجهة عسكرية مع المغرب”، كما جاء على لسان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وهي إشارة تحذيرية مغربية، لمن قد تلعب الأوهام برأسه، ويظن أنه قادر على إشعال حرب “على مقاسه”.
أما ما بين سطور كلمات وزير الخارجية بوريطة، فيمكن لجنرالات الجزائر قراءة إشارات تحذير كبرى، تجعلهم يحسبون حتى الألف قبل الإقدام على خطوة من المؤكد أنهم سيندمون عليها. فمعلوم أن بإمكان أي أحد إشعال فتيل الحرب، لكنه قطعا لا يملك إيقافها ساعة يشاء، وهو المعنى الذي تحدث عنه الوزير المغربي “مواربة” عندما تحدث عن سيادة “قانون القوة” في ظل غياب “قوة القانون” دوليا، وهو ما نشهده في مختلف بقاع العالم المشتعلة حاليا. رسالة تعني لجنرالات الجزائر أمرا واحدا: إذا بدأت الحرب، فلا يمكن لأحد حصر مداها في الحدود القائمة حاليا بين المغرب والجزائر، حيث لن تنتهي حتى تنتهي جماعة البوليساريو الانفصالية في تندوف، ويتم تحرير المغاربة المحتجزين هناك، ويفتح ملف الصحراء الشرقية المغربية، أو ما يسميه الجزائريون “هدية المستعمر الفرنسي”!!
هذه المحاذير وغيرها، لا يمكن أن تكون غائبة عن أذهان جنرالات الجزائر المتنفذين، على الأقل في ساعات صحوهم من سكرتهم “الفعلية، وليس المجازية”، وهي تضاف إلى معطيين في غاية الأهمية: الأول، حالة الجيش الجزائري المتهالكة في جميع فروعه البرية، والجوية، والبحرية. حيث إنهم يعلمون أن أسلحتهم القابلة للاستخدام تقتصر على 596 دبابة T-90، و70 طائرة مقاتلة من طراز Su-30، و8 بطاريات صواريخ دفاع جوي من طراز S-400، و4 غواصات روسية من طراز Project 877، وفرقاطتين حربيتين ألمانيتين من طراز Meko؛ أما ما عدا ذلك فهو لا يعدو كونه “خردة” سوفييتية الصنع في معظمها، توقفت صيانة غالبيتها لعدم وجود قطع غيار!! ترسانة لا تضمن لعسكر الجزائر الانتصار على جيش مالي وحلفائه من ميليشيا فاغنر، أو ميليشيا الجنرال الليبي خليفة حفتر، فكيف ستواجه جيشا عصريا منظما كالجيش المغربي؟!! ثاني الأسباب تكمن في غياب الغطاء الشعبي لمثل هكذا حرب مع المغرب، فليس هناك نسبة معتبرة من مواطني الجزائر، تصدق أكاذيب إعلامهم التابع للجنرالات ورئيسهم “الذي لم تسجل عليه كذبة واحدة منذ استلامه المنصب في 2019”! غياب الدعم الشعبي ينتقل مباشرة للجنود، الذين يفترض أنهم يقاتلون من أجل قضية عادلة ومقدسة، وبتفويض شعبي كاسح. ميزة يحظى بها الجيش المغربي، بينما تغيب عن نظيره الجزائري.
وهكذا، ومع علم جنرالات الجزائر “باستحالة” هذه الحرب، للأسباب التي ذكرناها (قوة الخصم المغربي، وضعف الترسانة العسكرية الجزائرية، وغياب الظهير الشعبي)، ما الذي يدفع إعلام الجنرالات لتجديد الحديث عن الحرب الآن، بعد أن كان آخر ذكر لهذه الحرب قد جاء على لسان الرئيس عبد المجيد تبون، في معرض تبريره لقطع العلاقات مع المغرب وإقفال المجال الجوي الجزائري على جيران الغرب، حيث اعتبر هذه الإجراءات “بديلا عن الحرب، ومن أجل تجنبها)!!
أول هذه الأسباب هو تبرير الجرائم المستمرة في حق المواطنين المغاربة، من قبيل قتل المصطافين في عرض البحر، والقبض يوميا على حرفيين مغاربة واتهامهم بالتجسس، وأخيرا فرض التأشيرة على جميع المغاربة، الذي يعتقد أنه إجراء تمهيدي لطرد المواطنين المغاربة الموجودين في الجزائر، في تكرار لمشهد مماثل قام به الرئيس الراحل بومدين في مثل هذه الأيام قبل نصف قرن، عندما قام بطرد عشرات الآلاف من المغاربة ردا على مسيرتهم الخضراء المظفرة، التي استرجعوا بواسطتها أقاليمهم الصحراوية، فيما سمي ساعتها “المسيرة السوداء”! هذه الإجراءات اللاإنسانية وغيرها، يسهل تمريرها للرأي العام على اعتبار أن البلدين في حالة “تسخين” تمهيدا لحرب محتملة، بينما لن تجد لها تبريرا فيما اتخذت بحق الليبيين والتونسيين، الذين لا توجد الجزائر في حالة حرب معهم.
ثاني أسباب تزايد الحديث عن الحرب في رأينا، رغبة الجنرالات في إشغال الرأي العام عن صراع التصفيات الجاري بين أجنحة النظام (الرئاسة والجيش والمخابرات). وبالتالي، وحتى لو لم يكن في نيتهم التهور بإشعال حرب انتحارية، فإن مجرد الحديث المكثف عنها، وإشغال وسائل التواصل الاجتماعي بها، كفيل بتوفير أجواء تتيح لهذه الأجنحة استكمال ما بدأته بعيدا عن المتابعة الشعبية.
ثالث هذه الأسباب، “التهويش” على الدبلوماسية المغربية حتى لا تستكمل مسلسل طرد البوليساريو من الاتحاد الأفريقي، وسحب ملف الصحراء من اللجنة الرابعة في الأمم المتحدة. فالجزائر التي تعلم قبل غيرها بأن الصراع قد حسم نهائيا على صعيد مجلس الأمن (الهيئة العليا داخل الأمم المتحدة)، وأنه وشيك الحسم دوليا عبر الخطوات التي قد يقدم عليها الرئيس ترامب، من قبيل افتتاح قنصلية في الداخلة، وما يمكن أن يلي ذلك من اعترافات بريطانية وروسية وصينية بمغربية الصحراء، هي مسألة وقت لا أكثر، يحتاج جنرالات الجزائر لتعطيل حركة سحب الاعتراف “بجمهورية تندوف”، وبالتالي طردها من الاتحاد الأفريقي، لاسيما وأن مسلسل سحب الاعتراف بالبوليساريو على وشك أن يتوسع ليشمل أثيوبيا ونيجيريا ورواندا ومالي وكينيا وتنزانيا، إضافة لبعض الدول الأخرى. فكان أن رأى جنرالات الجزائر أن يرسلوا تهديدا “فارغا” مبطنا بأن إقفال أفق حل قضية الصحراء “سلميا” بطريقة تضمن لهم الوصول للمحيط الأطلسي، يمكن أن يقودهم لإشعال حرب في المنطقة!
بناء على ما سبق، ومع عدم الاستبعاد الكلي لحماقات جنرالات الجزائر، يبدو تصور أن يقرروا دخول حرب مفتوحة مع المغرب بمثابة “انتحار صريح”، لا يمكن أن ينتهي بالطريقة التي يخططون لها، أو بنتيجة تجعل لهم أدنى احتمال بالاستمرار في حكم الجزائر. ويبدو خيارهم “الأكثر ضمانا” استمرار منح مرتزقة البوليساريو الضوء الأخضر لإرسال “انتحاريين” من أجل تجاوز الحدود الدولية للمغرب، ودخول المنطقة العازلة، وإطلاق بعض المقذوفات الصبيانية، مع علمهم بأن الطائرات المسيرة لن تسمح لجميع المتسللين بالعودة من حيث أتوا، ولا حتى بجمع رفاتهم!! وهكذا، ومنذ إعلانهم تعليق وقف إطلاق النار مع المغرب، بعد تحرير معبر الكركرات، وتجاوز بياناتهم العسكرية الألف، لم ينجح مرتزقة الجزائر سوى في التسلل أربع مرات، وإطلاق قذائف تسببت في استشهاد صحراوي مغربي واحد وإصابة ثلاثة أخرين، وهو السيناريو الوحيد ربما الذي يمكن أن يستمر جنرالات الجزائر في استخدامه، مع علمهم بعدم جدواه، وذلك بسبب غياب أي سيناريوهات أخرى!! فهل تدفع الآفاق المعدومة لتحقيق عسكر الجزائر أي انتصار يذكر في “حربهم غير العادلة” مع المغرب، والمستمرة منذ استقلالهم الصوري عن فرنسا، للبدء في التفكير، ولو لمرة واحدة، في المكاسب التي يمكن أن يجنوها في حال قرروا التقاط اليد المغربية الممدودة منذ عقود؟! هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة.