الجزائر

متى يتوقف بحث النظام الجزائري عن شجرة “انتصار” وهمي لتخفي غابة الانكسارات الحقيقية؟!

بقلم: هيثم شلبي

مرة أخرى، يفشل سعي جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، في الفوز “بلقطة انتصار”، تفيدهم في تسويقها شعبيا كفوز مؤزر، ودليل على نجاحات النظام منتهي الصلاحية منذ زمن بعيد. ولفرط إيمان جنرالات فرنسا -كسادتهم في الإليزيه- بمقولة “شجرة تخفي غابة”، يتكرر بحثهم المحموم عن أي انتصار دعائي وهمي من أجل توجيه الانتباه إليه، علّه ينجح في تحويل انظار الجزائريين عن أشجار واقعهم البائس، المكونة لغابة انكسارات وهزائم لا يحدها البصر! هذا الأمر، يمنعهم من تحقيق أي انتصار حقيقي، بل ويبعدهم من احتمال تحقيقه، طالما أن انتصارات “الصدفة” هي بطبيعتها أمر نادر الحدوث، وأنه في غياب تخطيط محكم وتنفيذ محترف، وتوفير للأسباب بروية ونفس طويل، لن يقيض لهم أن يحتفلوا بأي انتصار مهما صغر شأنه.

وما يفاقم مشكلة جنرالات الجزائر، إضافة لاستعجالهم تحقيق أي إنجاز قابل للاحتفال به، وربما بسبب هذا الاستعجال، أنهم يكتفون من أسباب الانتصار، ببعض المواصفات التي يصيغونها ذاتيا، ويفترضون أنها كفيلة بتحقيق الفوز الذي يرغبون فيه، وبالتالي يغفلون سلسلة طويلة من الشروط الموضوعية التي لا بد من توافرها لتحقيق هذا الانتصار. ولعل نظرة سريعة على جميع الرهانات التي قاموا بالاحتفال بها قبل الأوان، كفيلة بتوضيح ما نذهب إليه. فزيارة الرئيس تبون للصين وروسيا كانت كافية بالنسبة لجنرالات الجزائر لإطلاق الاحتفالات بالانضمام المؤكد إلى “البريكس”. واستضافة اجتماع -سبقه عشرات من أمثاله- بين الفصائل الفلسطينية، أعطى لإعلام الجنرالات مبررا للحديث عن نجاحهم في تحقيق “المصالحة الفلسطينية” التي يعلم أصحابها أنفسهم أنها تكاد تكون “مستحيلة” وفق معطيات الواقع الراهن. أما زيادة مداخيل صادرات الغاز الجزائري إلى أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، فقد جعلت الرئيس تبون يتحدث عن الجزائر “الجديدة” على أنها “قوة ضاربة” وأنها تمثل للقارة الأفريقية ما تمثله الصين للعالم!! وعلى نفس الشاكلة، فوجود لاعب كرياض محرز (في نهاية مسيرته الكروية) ومدرب كجمال بلماضي في منتخب الجزائر، كفيلان بجعل فوزه بكأس أمم أفريقيا، حقيقة لا تناقش، وأي نتيجة أخرى ما هي إلا “مؤامرة مخزنية” لحرمانهم من “حقهم الطبيعي” في الفوز بالبطولة!!

“أشجار” انتصارات وهمية صغيرة، يمكن أن نضيف لها جميع ما تعلنه الحكومة والنظام الجزائريين من خطط وبرامج، داخليا وخارجيا، من قبيل عضوية مجلس الأمن، ومشاريع تصنيع السيارات، تحلية مياه البحر، افتتاح فروع بنوك جزائرية في غرب أفريقيا، منجم غار جبيلات للحديد، الوساطة في مالي، النيجر، وأخيرا السودان!! بل وحتى أبسط المشاريع من قبيل شراء طائرات إطفاء حرائق الغابات التي تتكرر سنويا، ويتحدث الجنرالات عن إيجاد حلول لها كل عام دون جدوى!! وقس على ذلك من مشاريع يعلم كل متابع لها أنه لم يتم توفير أي مقومات لتحقيق نجاح حقيقي فيها، مهما كان صغيرا، ومع ذلك بدأت احتفالات المنابر الإعلامية التابعة للجنرالات “بالانتصار”، على أمل النجاح في تسويقها للشعب الواقف في طوابير الحليب والقهوة والسميد والعدس وباقي المواد الغذائية. طوابير “حقيقية” يعيشها المواطنون الجزائريون، وليست مجرد “دعايات مضادة” من خصوم النظام الخارجيين.

هذا السلوك “المرضي” لجنرالات فرنسا الجزائريين، هو أبلغ دليل على مدى الضعف الذي وصل إليه النظام، لدرجة استجداء أي نجاح طبيعي أو حتى “تافه” لرياضي هنا أو هناك، لتحويل ذلك إلى دليل على صواب سياسات النظام وعظمته. وكلنا شاهد الحالة غير الطبيعية التي واكبت فوز المنتخب الجزائري بكأس العرب لكرة القدم، واستقبال الفريق من قبل الجنرال شنقريحة، والرئيس تبون! مع أن كل جزائري يعلم أن جميع الدول العربية شاركت بمنتخبات الصف الثاني باللاعبين المحليين!! ليس هذا فحسب، بل إن ضعف هذا النظام يتجلى في المراهنة على أن انتصارا صغيرا كهذا، كفيل بجعل الجزائريين ينسون غابة مشاكلهم الحياتية اليومية، وانكسارات نظامهم الداخلية والخارجية.

ما يتجاهله جنرالات الجزائر -أو يجهلونه- أن للشعوب مقاييسها الخاصة في الحكم على نجاعة ونجاح نظام بلدانهم، مرتبطة أساسا بتلبية أبسط احتياجاتهم المعيشية من مأكل وملبس وعمل وتعليم وصحة، وفق منظومة شفافة للحكم والمساءلة، يقل فيها منسوب الفساد إلى حدوده الدنيا؛ ويكون الجميع سواسية أمام القانون؛ وتحترم فيها حقوقهم الأساسية في التعبير والتجمع والتنظيم؛ ويشعرون بأن الجميع شركاء في هذا الوطن، في المغرم والمغنم، يتقاسمون خيراته ويحملون أعبائه حسب قدرة كل منهم؛ وأن هناك مشروعا جامعا يوحد نظرتهم للمستقبل، وإلى الوطن الذي يطمحون بتوفيره لأبنائهم. ومع نظام عسكري كالموجود في الجزائر، من البديهي أن تغيب جميع هذه الشروط والمعاني، لأنهم لا يفهمون سوى منطق “لا أريكم إلا ما أرى”، ويستغربون منطق وضعهم تحت المسائلة، ويستهجنون الاعتراض على تدخلهم في الحياة السياسية، بحكم أنها من طينة أخرى، وتخضع لآليات إدارة مختلفة عن الحياة العسكرية.

كخلاصة، بدون الانتصار في معركة إنهاء الطوابير على المواد الغذائية، وتوفير الماء الشروب والإمداد المستمر للكهرباء لجميع ولايات الجزائر؛ وبدون إنهاء ظاهرة قوارب الموت التي يعتبر الجزائريون هم الأكثر استخداما لها من بين شعوب شمال أفريقيا؛ وبدون عودة الجنرالات إلى ثكناتهم، وتحرير الحياة السياسية من تحكمهم؛ وأهم من كل ما سبق، بدون تحرر حقيقي من الهيمنة الفرنسية على الدولة الجزائرية، والمستمر دون انقطاع منذ 1830، فإن أي انتصار، صغيرا كان أو كبيرا، لن يفيد جنرالات الجزائر في تأبيد حكمهم وتسلطهم على رقاب الجزائريين، وكل تأجيل للحظة تحرر الجزائريين لن تؤدي إلا لمزيد من ارتفاع الفواتير المطلوب أداؤها كثمن لهذه الحرية، الآتية لا محالة!!

اقرأ أيضا

¨لوبوان¨ الفرنسية.. الدرس السوري للنظام العسكري: هل يمكن للجزائر أن تواجه مصير دمشق؟

تحت عنوان "الدرس السوري للجزائر"، أفادت مجلة “لوبوان” الأسبوعية الفرنسية، بأن نظام بشار الأسد والنظام العسكري الجزائري مرتبطان بشكل وثيق، متسائلة "هل يمكن للجزائر أن تواجه مصير دمشق؟".

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون

محاولات الجزائر للحاق بالمغرب أفريقيا: صغيرة جدا، ومتأخرة جدا!!

يحاول النظام الجزائري مؤخرا، عبر دبلوماسيته ووسائل إعلامه، أن يوحي بأن عهد الرئيس تبون يشهد "طفرة" في الدور الأفريقي للجزائر، وعودة إلى ماضيها "التليد" إبان الحرب الباردة في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي،

الجزائر وفرنسا

باريس تفضح أكاذيب النظام الجزائري.. الاتهامات الموجهة لفرنسا “لا أساس لها من الصحة”

فضحت فرنسا كل الاتهامات الواهية التي وجهها لها النظام العسكري الجزائري بشأن ما وصفه الكابرانات بـ”مخططات عدائية” تقف وراءها المخابرات الفرنسية.