بقلم: هيثم شلبي
كما هو الحال في الرمال المتحركة تماما، يواجه جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، وضعا تغرق فيه قدمهم كلما حاولوا التقدم بالرجل الأخرى إلى الأمام، وصولا إلى المصير المحتوم في مثل هذه الأوضاع: الغرق!!
أزمة العسكر ليست وليدة اليوم، ولكنها نتيجة عدم قدرتهم على المراجعة والنقد الذاتيين، واختيار أجيال الشيوخ العجزة، ممن يمسكون بمقاليد الحكم، سياسة “الهروب إلى الأمام” ومحاولة شراء الوقت، حتى مع إدراكهم أن كل يوم إضافي لا يقومون فيه بإجراء الإصلاحات المطلوبة، يفاقم فواتير بقاء الحال على ما هو عليه، ويقرب الأوضاع في الجزائر من لحظة الانفجار الشامل!
هذا التوصيف السابق، يجعل جنرالات الجزائر يبدون في مظهر من يساق إلى حتفه دون أن يملك أي فرصة للنجاة، أو أي قدرة على تغيير هذا المصير المحتوم. ولهذا السبب، لم يعد هناك في الجزائر من يراهن على إمكانية إجراء أي تغيير إيجابي في أوضاعهم المعيشية، وأن الحل الوحيد المأمول هو تغلب جموع الجزائريين على خوفهم من مستوى العنف المفرط الذي سيواجهون به من طرف جنرالاتهم، المستعدين لتكرار سنوات العشرية السوداء لسببين: أن أصحاب القرار في المؤسسة العسكرية هم نفسهم من مارسوا الإرهاب على مواطنيهم سنوات التسعينات؛ والثاني أنهم يعلمون أنها ستكون المعركة النهائية، وأن نزول أول جزائري للشارع، سيجر الملايين خلفه، ولن يتوقفوا قبل وضع من لم ينجح بالفرار من جنرالاتهم، في السجون لما تبقى من عمرهم.
عدم قدرة الجنرالات المتحكمين في المؤسسة العسكرية على إجراء أي تغيير حقيقي، يرجع في شق منه إلى “تحجر” عقلياتهم نظرا لتقدمهم في السن، وإصرار القادة منهم على عدم فسح المجال لتبادل المواقع مع جنرالات أصغر سنا، ليقينهم أن المكان الوحيد المتاح خارج مكاتبهم هو السجن، في إطار حملات انتقام لا تنتهي بين الأشخاص والأجنحة. هذا التحجر، يجعل عسكر الجزائر غير قادرين على مواكبة العصر، ولا التفكير خارج منظومة عقلية الحرب الباردة منذ الستينات. عجز يظهر من خلال فشلهم في تحديث “منظومة سيطرتهم” على أجهزة الدولة، بطريقة تتجاوز ما اعتادوا عليه على مدى نصف قرن، هي سنوات تواجد معظمهم في السلطة!!
هذا الوضع المستمر منذ السنوات الأولى لاستقلالهم “الصوري” عن فرنسا، تجلى في إدارتهم الفاشلة لجميع مؤسسات ومفاصل الدولة، اقتصادا واجتماعا وثقافة وأمنا.. الخ. وبالتالي، لم يكونوا مؤهلين لإدراك مدى تخلفهم عن فهم وممارسة نظريات العالم المتجددة، باستثناء اعتماد شعارات عامة وقشور سطحية، تتناقض بشكل صارخ مع ما هو موجود في الواقع. وحتى المحاولات الخجولة لإحداث تغيير في المجال الاقتصادي في النصف الثاني من حقبة بوتفليقة، عبر رجال الأعمال المرتبطين بأخيه السعيد، كحداد وطحكوت وغيرهما، سرعان ما تحولت إلى باب للفساد والنهب المكشوف، بعد أن فشلوا في تغيير آليات إدارة الشأن الاقتصادي للدولة، وتمتعوا بحماية المتنفذين فيها. أما محاولات الرئيس الحالي تبون “اللفظية” من أجل الإيحاء بوجود تغيير ما، عبر الإعلان عن فتح فروع للبنوك الجزائرية في عدد من الدول الأفريقية، فالنظام ومتنفذيه يدركون قبل غيرهم، أن سنوات ضوئية تفصل قطاعهم البنكي عن منافسة كبار بنوك القارة. نفس الأمر ينطبق على المشاريع الوهمية التي يروج لها تبون “دعائيا”، كصناعة السيارات، أو تحول الاقتصاد الجزائري بعيدا عن سلعة النفط والغاز، والذي جعل رهانها الأكبر قبول عضوية بلاده في منظومة “البريكس”، فهو يدرك قبل غيره أنها أهداف تماثل “الغول” و”العنقاء” من حيث الاستحالة، طالما النظام الحالي هو نفسه منذ الاستقلال، وهو ما أثبتت استحالته وقائع سنوات تبون في المرادية. أما بالنسبة للمواطنين الجزائريين، فطالما اضطروا للوقوف في طوابير لساعات، من أجل الحصول على مواد غذائية أساسية كالحليب والدقيق والزبدة والسميد والقهوة وغيرها، فإن جميع شعارات دولتهم “العظمى” تدخل من أذن وتخرج من الأخرى، هذا إن دخلت أصلا.
ومع فشل الرئيس تبون في تحقيق أي تغير إيجابي يذكر في حياة الجزائريين وأوضاعهم المعيشية، التي تدهورت أصلا، يجد قادة الجيش والمخابرات نفسهم في ورطة كبرى: هل يتحملون تبعات عهدة ثانية لرئيس فاشل أثبت ذلك بالدليل والبرهان في جميع مشاريعه وتصريحاته، لدرجة تحول معها إلى “أضحوكة” للجزائريين وباقي رواد وسائل التواصل الاجتماعي العرب، أم يكسبون مزيدا من الوقت مع مرشح بديل لا يعرفون كيف سيتصرف، مع أن الحكم عليه بالفشل المسبق هو السائد نظرا لعدم قدرة أي شخص على اجتراح المعجزات، في ظل تمسك الجنرالات العجزة بسلطتهم ومناصبهم، ومقاومة إحداث أي تغيير حقيقي في أساليب إدارتهم للدولة.
الملفت للانتباه في قضية فشل جنرالات الجزائر، هو إصرارهم على الدخول في منافسة أزلية مع المغرب، والتزامهم الشديد بمعاكسة وحدته الترابية، والإصرار الذي لا يلين على هدر المليارات من الريع النفطي، مصدرهم الوحيد للعملة الصعبة، على مرتزقة البوليساريو، وجميع نظرائهم المستعدين لإسماع الجنرالات ما يريدون سماعه من مرتزقة ومنافقين، عرب وأفارقة ودوليين! وضع ليس وليد اليوم، بل كان واضحا لكل ذوي البصيرة منذ اليوم الأول، أن دعم العسكر لحركة انفصالية مسلحة، سيشرع المطالب الانفصالية في بلد قامت فرنسا “بتجميعه” عبر ضم أراض مغربية وتونسية وليبية ومالية ونيجرية. وهكذا، تحقق ما كان محتوما مع ارتفاع صوت الحركات الانفصالية في القبايل وتمنراست (الطوارق). معاندة الوحدة الترابية المغربية حرمت النظام الجزائري من الاستفادة من إمكانيات اتحاد المغرب العربي الذي قاموا بتجميده وتدميره بناء على أوامر سادة الإليزيه، وعقدهم التاريخية تجاه المغرب!
كما نشهد حاليا “انتحارا” جزائريا يتمثل في محاولة اللحاق بالمغرب، داخل فضائه الأفريقي، مع علمهم أنها معركة غير متكافئة، وأنهم أفاقوا متأخرين جدا بعد أن خاض المغرب تجربة بناء وتشبيك نفوذه الأفريقي على مدى عقود، بينما كان جنرالات الجزائر مشغولون بمعاركهم الداخلية، وبنهب خيرات الشعب الجزائري، في ظل رئيس عاجز (بوتفليقة) لا يستطيع مغادرة كرسيه، وليس غرفته!!
ويبدو واضحا لكل ذي بصر وبصيرة، أن استمرار جنرالات الجزائر، مدنيين وعسكريين، في خيارهم الصفري المتمثل في معركتهم العبثية الأزلية ضد الوحدة الترابية المغربية، ومحاولة منافسة وتقليد المغرب في كل ما تقوم به، سيفاقم أزماتهم، ويكرس مظهرهم الفاشل في أعين الجزائريين، ويقضي على فرصهم في كسب أي معركة تنموية، وبالتالي سيسهم في غرق أرجلهم أكثر في رمال الصحراء المغربية، لاسيما مع تأكدهم أن مرتزقتهم عاجزون عن إحداث أي ضرر يذكر بالجيش المغربي. كما أن استمرار الإدارة الغبية من قبل جنرالات الجزائر لمرتزقة البوليساريو بنفس أساليب الثمانينات، يعطي المبرر للمغرب لدفنهم في صحرائه، والتعجيل بإقفال هذا الملف واقعيا وأمميا، وبالتالي سيحتم على جنرالات الجزائر الإجابة على السؤال المدوي من قبل مواطنيهم: ماذا استفدنا من المليارات التي صرفت في هذا الصراع العبثي؟؟! ولغياب أي إجابة مقنعة، لن يكون أمام العسكر سوى الاستسلام لإعلان الفشل، ومواجهة المصير المحتوم: الانهيار!!
كخلاصة، يبدو النظام العسكري في الجزائر محاطا بعشرات الأسئلة المصيرية، دون أن يملك إجابة واحدة على أي منها، بطريقة تتيح له الأمل بتغيير واقعه أو إصلاح حاله، أو استرجاع ثقة المواطنين الجزائريين التي منحوها يوما لهم أيام حرب التحرير. لذا، نحكم مسبقا بأن أرجل جنرالات الجزائر ستستمر في الغرق، تحديدا في رمال الصحراء المغربية، وعلى إثرها، في رمال الواقع الجزائري البائس؛ وأن الحل الوحيد المتاح -نظريا- مع العجز الواضح عن تجسيده واقعيا، هو محاولة إصلاح ذات البين مع المغرب، والاعتراف بفشل جهود معاندة وحدته الترابية، وإعادة إحياء الاتحاد المغاربي على أسس تكامل وتعاون جديدة، بطريقة يمكن أن تعطي الجزائريين أملا بمستقبل أفضل. حل ندرك أنه -للأسف- لن يجد طريقه للتحقق في ظل استمرار إمساك من يدعوهم الجزائريين -عن حق- ب “العصابة”، ويحتم عليهم بالتالي إحياء “الحراك” المبارك لكنس هذا النظام بجميع أركانه، والاحتفال ببناء جديد كليا، بسواعد شباب ونساء الجزائر القادرين على تحقيق المعجزات!!