الجزائر

جنرالات الجزائر والتخبط في تبعات عقدة الفشل المزمن!!

بقلم: هيثم شلبي

من سمات الفشل التي نعلمها جميعا، هروب الفاشل من مواجهة الواقع، عبر خلق واقع افتراضي “مريح”، مبني أساسا على إعادة تعريف مفاهيم الفشل والنجاح، وبالتالي يتحول، بين ليلة وضحاها، من فاشل في نظر الجميع، إلى ناجح في مرآة ذاته، حتى وإن كان الوحيد الذي يؤمن بالتعريف الجديد الذي وضعه للنجاح! تقنية إعادة تعريف الأشياء بطريقة تنسجم مع السلوك الذاتي للأنظمة الفاشلة، على سبيل المثال، تؤدي وظيفتين متناقضتين: فهي تحاول، من جهة، استمرار تبرير مشروعية “استيلائها” على السلطة، ومنع تداولها وتشبيبها؛ لكنها بالمقابل، ومع خنق جميع مسارات التحديث والانخراط في العصر والتداول السلمي على إدارة الشأن العام، تؤدي إلى تكلّس وتحجّر جميع مفاصل الدولة، ومقاومة سنن التغيير الكونية وصولا إلى الانهيار المفاجئ والتام. وكمثال على هذه الفكرة، فلو قام أحد باعتبار التمساح من الديناصورات، فهو سيقسم بأغلظ الأيام أنه قد رأي ديناصورا البارحة، حتى لو وقف ضد ما تعارف عليه العلم والناس من انقراض الديناصورات، كل ذلك لأنه أعاد تعريف الديناصور بطريقة تناسبه، ولم يهتم كثيرا بقدرة هذا التعريف على التعامل مع الواقع!!

نسوق هذه المقدمة في معرض استعراض أهم ملامح الفكر الدعائي للنظام الجزائري، أسير توجيهات وطريقة تفكير جنرالاته السبعينيين، من مدنيين وعسكريين، والذين لم تعد عقولهم قابلة للتحديث حتى بيولوجيا! حيث إن المتابع لجميع ما يصدر عن المنابر الإعلامية التابعة لهذا النظام، يجد خطابها يتراوح ما بين نظرية المؤامرة والاستهداف من جهة، والترويج لتماسيح النظام على أنها ديناصورات!! ففشل الجزائر في التأهل لكأس العالم 2022، واحتضان كأس أمم أفريقيا 2025، وترشيح محرز لجائزة أفضل لاعب أفريقي، وعدم قبول طلب عضويتهم في البريكس، بل وحتى الكوارث الطبيعية كالحرائق، التي لا يمتلكون ما يطفئها رغم ملياراتهم، وغيرها العشرات من مظاهر الفشل الواضح في نظر الشعب وكل ذي بصر وبصيرة، كلها نتاج “مؤامرة مخزنية تستهدف الجزائر”، ناسبين للسلطات المغربية قدرات “إلهية” تحدد مستقبل الجزائر على الشكل الذي تريده، وهم يقفون حيالها عاجزين بدون حول أول قوة!!

أما إعادة تعريف ما تواضع عليه البشر من مفاهيم فنجده حاضرا عند محاولة اصطناع واقع افتراضي يرضي العقلية المتجاوزة لشيوخ الجنرالات، ويصلح أساسا لواقع دعائي مزيف يحاولون به التغطية على آلام الواقع المعاش. فيكفي هذا النظام أن يؤسس ورشة يدوية، تخلو تقريبا من المعدات، تقوم بتجميع هياكل سيارات جاهزة، من أجل أن يعتبروا أن ما نراه هو “مصنع” لشركة فيات، وتجسيد حقيقي لشعار “صنع في الجزائر”!! ولا يهم هنا مواجهتهم بعشرات الأسئلة التي تبين عوار تعريفهم لكلمة تصنيع، لأنهم لا يهتمون سوى بالترويج لواقعهم “الافتراضي”، واعتبار كل من يشكك فيه عدوا للنظام ومساندا لخصومه!! وبنفس الطريقة، أعاد النظام الجزائري وإعلامه إعادة تعريف مفاهيم كجمع شمل العرب بأنه مجرد عقد اجتماع قمة لرؤساء الدول العربية، دون اعتبار أن تشتيت شمل الاتحاد المغاربي لا ينسجم مع هذا المفهوم! منهج إعادة التعريف هذه تجعل الجزائر تسوق نفسها كرائدة لأفريقيا، وقوة ضاربة، ودبلوماسية محنكة، وجيش جبار، رغم أن كل ما في الواقع من حقائق ومعطيات يكذب هذه التصورات، نظريا وعمليا.

ولعل الموقف من الوحدة الترابية للمكلة المغربية هو مثال صارخ على ما أسلفنا من “هرطقات” جنرالات الجزائر. فهي تساعد بالمال والسلاح حركة انفصالية وفق تعريفات السياسة الدولية، وتعتبر ذلك ممارسة فضلى تنم عن الوقوف بجانب حركة “تحرر”، بل وتستغرب من غضب المغرب تجاه هذه الممارسة، وعدم تصفيقها لأخلاق الجنرالات العالية!! كما أنهم يقسمون ليل نهار، بأغلظ الأيمان، وبكل ما أوتوا من قوة، بأن بلادهم ليست طرفا في هذا الصراع، على الرغم من إنفاقها المليارات على مدى نصف قرن من أجل شراء المواقف المعادية للوحدة الترابية المغربية، وترفع عقيرتها بالصراخ عند كل اعتراف سيادي تتخذه دولة ما بمغربية الصحراء!! ورغم أن البشر -كونيا- تواضعوا على قصر عضوية المنظمات “الدولية” (نسبة إلى دولة) على الدول المستقلة، لا يجد جنرالات الجزائر غضاضة من إدخال “حركة” ليس لها كيان أو أرض أو اعتراف أممي إلى الاتحاد الأفريقي، لمجرد أنهم أعادوا تعريف مصطلح الجمهورية، واستبدلوا اسم جبهة البوليساريو بالجمهورية الصحراوية!!

مظهر لا يقل اختلالا في سلوك الجنرالات تجاه المغرب، هو اعتبار الجزائر معنية بجميع خطط تطوير وتقوية وتحديث المغرب، حتى لو لم يكن لذلك تأثير عليها. فالجزائر تعطي لنفسها الحق في الاعتراض على العلاقات الخارجية للمغرب مع الولايات المتحدة والإمارات وإسرائيل وإسبانيا، كما أن من حقها الاعتراض على خطط تنمية أقاليم المغرب الجنوبية، وبنائه للمنظومة الأطلسية الجنوبية، وتوقيع شراكات استثمارية مع دول الخليج، وغيرها الكثير، على قاعدة أن كل نجاح للمغرب هو فشل للجزائر!! وهي القاعدة الذهبية التي يعتمدها الفاشلون، ويضعون في مواجهتها خطة مضادة تقول بضرورة إفشال -أو إبطاء تقدم- خصمك، حتى لو لم تفعل شيئا يذكر من أجل التقدم والنجاح والتفوق عليه، حيث يكفي إعادة تعريف مفهوم النجاح ليصبح “إفشال الخصم”، ليتحقق الرضى الذاتي للفاشلين. لكن ما يغيب عن ذهن الفاشلين من جنرالات الجزائر، أن ما يصنعه المغرب، على صعوبته، ينسجم مع مفهوم “التدافع” الإلهي، ومع مفاهيم السياسة الدولية، التي تجعل النجاح ظهيرا للأقوياء الذين يبحثون عن امتلاك أسباب القوة، بالعمل بطريقة استباقية استشرافية، ولا يحصرون نشاطهم في خانة ردود الأفعال. وعليه، فشعور العظمة الذي يواكب حركة المغاربة في جميع الميادين، والمنبثق عن شعور أقوى بالاعتزاز بتراثهم وتاريخهم الامبراطوري، هو أمر لا يمكن لأبناء الدول الحديثة، التي لم تمر بهذا التراكم التاريخي الغني، أن يستشعروه!!

أخيرا، يمكن الحكم بدرجة عالية من اليقين، على انعدام فرص النظام الجزائري في تحقيق أي نجاح يذكر، مهما بلغت درجة احتراف أبواقه الإعلامية، أو إخلاص مواطنيه، لأن من أول شروط النجاح هي الاعتراف بأوجه القصور والفشل، والاستعداد للعمل المخلص على علاجها، عبر تجميع أكبر ما يمكن من قوى، وفق مشروع مجتمعي يبني على عناصر القوة الحقيقية في المجتمع، وهي العناصر التي يصعب تصور أن يقبلها، ناهيك بأن يعمل بها، جنرالات تجاوزوا مرحلة التقاعد قبل عشرين عاما، ولا يحركهم سوى هدف يتيم لا ثاني له: استمرار نهبهم لخيرات الجزائر، والعمل على تأمينها خارجه، والبقاء متيقظين للحظة المناسبة للقفز من قاربه، عندما ينجح أحرار الجزائر في الإمساك بمصيرهم، وتوجيه خيراتهم لخدمة شعبهم، والبدء أخيرا في بناء الجزائر الحديث الذي يشرف كل من ينتسب إليه.

اقرأ أيضا

الرئيس الجزائري بوتفليقة

حديث الصحف:الرئيس الجزائري شبه غائب عن الوعي

بدا الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مريضا للغاية خلال استقباله للوزير الأول الفرنسي.

بوتفليقة..قصة العودة القوية للرئيس وسيطرته على دواليب السلطة

“قبل ست سنوات لم يكن في وضعية جيدة وكان نيكولا ساركوزي يعتبره قد انتهى. لكنه …